قيمة ما نقرأه بين صفحات الكتب يقاس بقدرة الكاتب على إعادة تدوير ما لديه من معلومات لأفكار جديدة تخدم مبادئ بحثه و هنا يتحول الكاتب لمفكر يسعى لبرهنة فكرته أحيانا على حساب اللغة و بلاغتها و جمالياتها، أما إذا جمع المفكر بين قوة الطرح و حسن الإنشاء فهو عبقري و هذا ما وجدت عليه هذا الكتاب.
السينما و المجتمع الإيراني كتاب عبقري الفكرة و مدخل ثري للإطلاع على المجتمع الإيراني الحبيس، ليس مجرد بحث أكاديمي عن السينما الإيرانية و دورها في مواجهة المجتمع الإيراني بعيوبه و رصد كل العقبات التي تعيق التقدم الإنساني و لا عن التضيقات التي تتعرض لها صناعة السينما في ظل حكم الملالي و النظام الحاكم المتطرف المسيطر على الزمام منذ قيام ثورة الخميني في نهاية السبعينات؛ بل هو قصة إنسانية مؤلمة جاء ليرصد علاقة السينما بالمجتمع فكشف - عن قصد- الغطاء عن وجه هذا المجتمع المرعب.
في البداية ناقش الكتاب السينما الإيرانية في مهدها و تاريخ أول فيلم إيراني تم صناعته في بلجيكا سنة ١٩٠٠ و بناء أول دار للعرض سنة ١٩٠٣ في عهد الحقبة القاجارية و بعد سقوط القاجاريين و سصعود الشاه رضا بهلوي تم عرض أول فيلم صامت سنة ١٩٣٠ و لاقت السينما دعما كان محدود لكنه غير متوقع و تلاقت تطلعات البرجوازيين الجدد مع توجهات الشاه رضا بهلوي و في إبان الحرب العالمية الثانية و وقوع إيران تحت الاحتلال البريطاني سنة ١٩٣٨ توقفت السينما تمامًا و بعد قيام الثورة الإسلامية عانت السينما الأمرين تحت تحكمات نظام منافق يمنع أشياء و يحللها بطرق أخرى كالزنا مثلاً يعاقب عليه بالرجم حتى الموت لكن زواج المتعة مقنن و هو أحد أوجه السياحة الجنسية في إيران الآن.
انتقلت الكاتبة في فصلها الثاني من هذا الكتاب لتسلط الضوء على الطفل داخل إيران و في هذا حدث و لا حرج مأساة يعيشها أطفال إيران تفاقمت بعد ثورة الملالي
ابرز هذه المشاكل
- الزواج المبكر و الاجباري للبنات القاصرات
-العمل الغير شرعي للأطفال خصوصا في أعمال عسكرية فهناك ٥ مليون طفل يعملون تحت إشراف الحرس الثوري.
و في الفصل الثالث أرهقتني الكاتبة بالقصص المؤلمة ضحاياها نساء كل جرائمها أنها في مجتمع التمييز العنصري المريع.
في الحقيقة المرأه تعاني منذ زمن في هذه القطعة الجغرافية سواء كانوا ساسان أو قاجاريين أو النظام الحالي
من وجهة نظري الشخصية أن المرأة تواجه تحديات أشد من المرأة التي عاشت جاهلية العرب قبل بزوغ شمس الإسلام و لا أجد مبرر لدولة شعبها صاحب واحدة من أعظم و أقدم الحضارات القديمة و أمة حكمت نصف الأرض قرون طويلة أن تصبح بهذه الصورة البشعة.
و في النهاية كان الحديث عن العادات و التقاليد في المجتمع الإيراني خصوصا المجتمع الريفي و المثير للدهشة تطابق العادات والتقاليد بين الريف المصري - و أنا أحد أبناءه - و بين الريف الإيراني.
كتاب ثري جدا و سبيكة بديعة خليط بين تفاني البحث و دقة المعلومات و براعة الحكي و جمال الإنشاء ربما تتوهم مثلي في البداية أن الكتاب أكاديمي غير مناسب للقارئ العادي لكن الحقيقة هو كتاب ممتع و صالح لكل فئات القراء أرشحه بقوة فهو منفذ رائع لإلقاء نظرة مستوفية على المجتمع الإيراني من خلال السينما الإيرانية مرآة المجتمع.