اقتباسات دينا شحاتة

‫ لا يدرك المرء أنه تائه سوى إن كان له وجهة يصبو إليها، ورغم كوني جاهلًا بهدف أرمي إليه، أو بيت أرنو له. لا تخلو أحلامي من شعور غامر بالضياع، أفكر: أليس حرِيًّا بي التمتع بالتِّيه على أمل العثور عن شيءٍ ما يجذبني نحوه، بدلًا من التأسِّي بحثًا عمَّا لا أعرفه؟

عين الخفَّة واسعة رحبة، فطالما أبصرت حياتي بعين الثقل الباردة المنغلقة على ذاتها، حتى ظننتُ أنه لا متسع لي في ذلك العالم.

فنان آمِن هو فنان مزيف، الفنُّ الآمِن فن مريض. خارج حدود الأمان يبدأ الفن، خارج حدود الأمان يعرف المرء نفسه، خارج حدود الأمان تبدأ الحياة وتنتهي، تتلاقى الحياة والموت، خارج حدود الأمان يبقى الفن الحدَّ الفاصل بينهما.

للمدن القديمة ذاكرةً تجتبي وتختار، ورائحة تعبق وتبقى

مُقنعًا نفسي بأن الفن لا يُدرَّس، بل يُلقى في القلب، فيعيد المرء بعثه ثانيةً إلى العالم.

‫ كان ذلك كلامًا فارغًا لم يستقر في ذاتي المشتتة في موضع يقين، بل رافَقني الشك كصديق وفيّ، متجولًا معي كرحَّالة مَلُول لا يعجبه شيء، ولا يملؤه أحد، ضائعًا وحدي بلا عائلة أو أصدقاء، أتي بي أبي إلى لندن فلقي حتفه بعدها بثلاث عشرة سنة وتركني متخبطًا، لا أصل لي، أنا أصيل بلا أصل، هل لذلك السبب دققتُ الوشمَ على يدي وعدتُ إلى جدة بعد ذلك الإيميل؟ ربما…

عثرتُ على ذلك الشطر من القصيدة التي رواها الحجر على لسان جدي الأكبر أصيل. تساءلتُ هل جدي شاعر أم جاد به الهوى فنطق لسانه شعرًا؟ وبينما غرقتُ في أسئلتي هاتَفتنِي نفسي إني ناصفتُ الثلاثين ولم يذُقْ قلبي حب ينطقه بغير إرادة، ولم آسَ على حياتي تلك الليلة كعادتي؛ لانشغالي أن ما تلاه الحجر يقينٌ لا ريبَ فيه، وانقطاعي في التفكير فيما سيقصُّه عليَّ كما وعدني، فربما آتي منه بعلم فاتني لهجرتي المبكرة من جدة وأنا ابن خمس سنوات.

مَنْ وُلِد مرتحلًا مات وحيدًا

من السهل ادِّعاء الحكمة ومن الصعب العيش بها.

هل سنموت، لا يهم، في نهاية الأمر الجميع يموتون، غير أن المعرفة لا يحظى بها الكل.

أخبرها أن جمالها لم يكن إلا صورة زائلة من صور الكون، وانشغالها بالصور يضيع عنها حقيقة قلبها وخُواءَه. فغرت فاها عن جهل بما يعنيه فأكمل حديثه أن دموعه كشفت قلبها الفارغ من أي جمال محتمل، وما تراه الآن هو حقيقة داخلها

وعلى ماذا فتحت حدوتة عينيها البُنيتين، على سماء سوداء وظلمة ورائحة مجاري كريهة، وحوائط لبيوت غرباء لم يرحب فيها بوجودها يوماً، هنا في تلك اللحظة تولَّد في حدوتة فراغ عميق كبئر سحيقة، فراغ البيت، ولولا يد جابر الخائفة التي انتزعتها من ذهولها العظيم لم تكن لتبرح مكانها يومًا .

يولد الأطفال وأول ما تفتح أعينهم عليه جدران لبيت ما، لا يهم أكان البيت فيلاً ضخمة أو جُحْراً أو حتى خيمة في الصحراء، الحياة مدينة لكل أطفال العالم بإقامة بيوت لهم قبل أن يواجهوا شقاءَه .

لم تعلم حدوتة في عمرها آنذاك كَمْ هي خطيرة الأحلام، وكم يصبح القلب هشًّا بامتلائه بها، ففرحت بجهل لامتلاكها حُلماً للمرة الأولى.

رحل جابر عن البيت منكسراً باكياً، تلقفته العيال في الشارع ساخرة لبكائه، لم يمسح دموعه وقتها بل نظر لهم قائلاً: "من لا يبكي، ينتفخ كبالون كبير فينفجر ويموت".

❞ «ربما ذلك أفضل من أن تظن أنك تملك الاختيار ثم تدرك غير ذلك ❝

‏اقرأ الكتاب على @abjjad عبر الرابط:‏****

#أبجد

#رحيل_وغربة

فهم أن هناك شيئا كبيرا يحدث في السد، شيء أكبر من السد ذاته، شيء يصيب روح العاملين به في موضع محدد بدقة صارمة ليجتمع على حبه الجميع على اختلاف مذاهبهم.

كان ينهى خطابه دوما بقوله: المسافات بعيدة والحب الواصل بين القلوب يقرّبها.

‫ أومأ غريب الجبل برأسه قائلا: كيف عرفته إذا لم يسكن داخلي يوما.

‫ -  كيف واجهته؟

‫ فتح غريب الجبل إحدى كفيه الممسكة بالمقود وظهر بباطنها تقرحات كبيرة: كنت أقبض على جمر مشتعل فينتقل الحزن من قلبي إلى جسدي.

أما عن جدته فالأمر مغاير، فبداخلها غابة كثيفة من المشاعر والذكريات، تلقي بثمرها بين أحاديثها ونظراتها وطعامها حتى عمدان بيتها تتشعب حولها تلك الغابة، فلا تعرف أ بيتها داخلها أم هي داخله

وقد ترك له ذلك فرصة هائلة لمعالجة ذهوله الذي لم يعرف ماذا يفعل به، فلم يغمره شعور كهذا من قبل، بل لم يطغى عليه أي شعور من الأساس، حتى في أقصى أركان ذاكرته ظلمة لم يكن هناك مشاعر تذكر،