اقتباسات نورا ناجي

على الرغم من عُزلتها فهمت فيرجينيا وولف الحياة جيدًا، كانت تملك هذا النوع من الاستبصار الذي يجعلها ترى حياة المرء كاملة بمجرد النظر إلى وجهه، يمكننا الشعور بهذا في رواياتها، غوصها في وعي الشخصيات

تكتب رضوى سيرتها إذن ليس من أجلها، بل من أجل جميع مَن تحبهم، وجميع مَن يحبونها، من أجل البشر الذين تحمل ثقلهم في قلبها، الجزء الشخصي على طول السيرة هو جزء من كل

الحقيقة أن البعض منهن يعشقن فكرة الوحدة، ويرغبن أصلًا في الانعزال عن العالم، ربما يمنحهن الألم والحزن مقدرة أكبر على الكتابة والتعبير، وربما يحتجن إلى الهدوء ليتمكنّ من وضع أيديهن على الأفكار. وبالعكس، هناك مَن يخفين هذه الوحدة، ويطمسنها بعشرات الطبقات من السعادة والاجتماعية والمرح والود والسخرية والانطلاق. أستاذات في التنكُّر، تمامًا مثل رضوى عاشور.

أحيانًا تكون فكرة القدرة على التحكم أكثر رعبًا مما نظن، الموت في حد ذاته ليس مرعبًا لمن سيواجهه لأنه يأتي فجأة، ولأنه فعل لحظيّ ينتهي قبل أن يبدأ، أما التحكم فيه فهو ما يُخيف.

كتبت سوزان في مقارنة بين مرضَي السل والسرطان، أن الأول يبدو شاعريًّا؛ يسبب شفافية الجسم وزيادة العاطفة، يموت به الأبطال في الأفلام والروايات، أما السرطان فلا يزال أقرب لحجَر صلد جاف بلا مشاعر، مرض مُخيف ومُخزٍ ولا يمكن تجميله.

لكن حياة الكاتبات ليست ملكهن، سواء كُن على قيد الحياة أو بعد الموت، وعلى الرغم من قسوة هذه الحقيقة، وكونها سببًا قويًّا يمنعني من ترك يوميات خلفي،

قوة المرأة تُخيف أشجع الرجال، ونوال السعداوي اختارت طريقها من البداية؛ التمسك بقضيتها وأفكارها، حتى لو كلفها ذلك انعزالها عن المجتمع، ووحدتها التي قبلت بها ثمنًا زهيدًا مقابل الحفاظ على هويتها.

الكتابة في حياتي مثل حضن الأم، مثل الحب، يحدث بلا سبب، ومع ذلك لم أكف عن البحث في السبب، لماذا أكتب؟ لماذا قضيت عمري أكتب القصص والروايات. ربما كنت أريد شيئًا، أن أرسم للعالم من حولي صورتي الحقيقية، تلك التي طمسوها بصورة أخرى، أن أجعل الطفلة الصامتة في أعماقي تنطق.

إيلينا فيرانتي ضحّت باسمها من أجل أن تمنحنا هذا، تمنحنا الشعور بالارتياح بأن ثمّة مَن يشعر مثلنا بهذه المشاعر، وأننا لسنا أشخاصًا سيئين، لا تهم الأسماء مقابل تعاطفنا مع الآخرين، من أجل كسر التابوهات المسكوت عنها، والتخلص من الذنب الدائم، ذنب كوننا بشرًا.

كانت تحزن إن شعرت بأن ابنتها قبيحة أو غير اجتماعية أو أقل ذكاءً، تحزن إن شعرت بتمردهما، وانفصالهما، أو اقترابهما والتصاقهما بها.

لم يعد لها سواي، ولم أعد حرة. كان واجبًا عليّ أن أنسى حياتي، أنسى أحلامي، أنسى الكتابة، وأن أظل بجوارها، أعيش حياتي كنصف أنثى، ونصف أم، ونصف كاتبة.

السبب في اختباء إيلينا عن الناس، هو رغبتها في الانكشاف التام خلال الكتابة، الانكشاف الذي لا يجيزه المجتمع، ومعرفتها المسبقة أن الجميع سيعلمون بأنها تتحدث عن نفسها، عن حقيقة شعورها تجاه الأمومة، وهو التابو الأكبر الذي لا يمكن لأيّ أم التعبير عن حقيقة مشاعرها نحوه.

الوحدة تحدث أحيانًا رغم حشود البشر، الوحدة الحقيقية هي رفيقة هؤلاء المحاطين بالبشر طوال الوقت.

الحب الحقيقي ربما يكون كذبة، لا حقيقة لدى الكاتبات سوى وحدتهن. والوحدة بعد الزحام هي أقسى الأنواع، خذلان الأصدقاء والعائلة يكسر ويُميت.

‫ لا يمكن ألا يقع كاتب في حب امرأة ذكية جميلة وموهوبة، الكتابة لها هيبة، ولها جاذبية، وميّ امتلكت كل المفاتيح التي أوقعت حتى العقاد؛ المتحفظ، في غرامها.

كنت أؤمن بفكرة ضخمة ونبيلة وهي تغيير العالم، لكنني اكتشفت أنها في الواقع سلبية جدًّا، وهكذا لم أغيّر شيئًا، قضيت زمنًا طويلًا ودخلت تجارب كثيرة حتى أدركت أنني لن أغير العالم إن لم أغيّر نفسي، وأنني إن غيرت نفسي، فقد غيرت العالم.

لم تتخل عن هذا الوقت الضئيل الذي تقضيه وحدها.

أن تستيقظ في بيت فارغ، وشارع فارغ، وعالم فارغ.

حين انتهيتُ من قراءة الرواية، بدا لي أنني أعرف عنايات الزيات بشكل أو بآخر، تمنيت لو كانت صديقتي، لو كنت من المقربين إليها، لو كنت حتى زميلة لها في العمل، أو مجرد جارة أو حتى عابرة في حياتها، ربما كنت سأستطيع منعها عن إنهاء حياتها بهذه الطريقة، كنت سأتحدث معها على الهاتف كل يوم، كنت سأنتظرها أمام بيتها كل صباح، كنت سأكتب إليها كل يوم قصاصة بها سبب مقنع للبقاء على قيد الحياة.

لماذا أكتب؟ لماذا قضيت عمري أكتب القصص والروايات. ربما كنت أريد شيئًا، أن أرسم للعالم من حولي صورتي الحقيقية