اقتباسات أشرف توفيق

‫ والدم الخفيف مطلوب، والنكتة الحلوة مُرحَّب بها في أي وقت، على أن تكون خالصة من الأذى للناس، يمكنك أن تستخدم خفة دمك كما تشاء، وأن تضحك ملء شدقيك كما تحب، ولكن على شرط ألَّا يتسبب ذلك في حرج صديق، أو اكتئاب مُحبٍّ، أو كراهية فرد من الأهل.

وقد أُثِر عن المفكر والمؤرخ الأستاذ أحمد أمين -رحمه الله- قوله: «إنما تأتي المشاكل من المتأولين» (أي القادرين على التأويل)، فالرجل هنا -كما هو واضح- لا يرجح كثيرًا كفة الرجل المتعلم المثقف المتأول؛ ذلك أن قدرته على حشد الحجج، صحيحة الصورة والقالب في الدفاع عن أخطائه، قد يجعلها أكثر منعة ضد الحجج المعارضة لها، وضد الخبرة المخالفة لها، ولكن هذا التمكن من صناعة المنطق لا يعطي آراءه المنافية للمعقول أو الحق شيئًا، سوى أنها تكون أصعب في التفنيد».

فالسِّكَّة سهلة ومحددة كما ذكرها كارنيجي وغيره: النصيحة في السر، النصيحة عن علم، النصيحة بتواضع، النصيحة عند الطلب وليس بفرض الرأي، النصيحة بابتسامة وبودٍّ، النصيحة بأن

«قل لطفل أو لزوج أو لموظف إنه غبي أو أحمق عندما يفعل شيئًا ما، وإنه ليست لديه المقدرة على إتيانه، يدأب على الخطأ ويحطم كل دافع قد يدفعه إلى التحسن والإجادة، ولكن اجعل الشخص الآخر يدرك أن لك فيه ثقة، ولك بمقدرته إيمانًا، وأن له موهبة لم يتعهدها كما ينبغي، تجده يتدرب حتى يبرز ويتفوق… ولهذا اجعل الغلطة التي تريد إصلاحها تبدو ميسورة التصحيح، واجعل العمل الذي تريده أن ينجز يبدو سهلًا هينًا».

قال لورد شترفيلد ينصح ولده: «كن أحكم الناس إذا استطعت، ولكن لا تقل للناس ذلك»…

‫ … فإذا قال متحدث شيئًا وظننته أخطأ، وقد تجزم أنه أخطأ، أليس من الأفضل أن تقول له: «إننى أرى رأيًا آخر، ولكني قد أكون مخطئًا، فكثيرًا ما أخطئ، فإذا كنت مخطئًا فإني أحب أن تصحح لي خطئي، فدعنا نختبر الحقائق».

يقول «ديل كارنيجي» في كتابه «كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس»:

‫ «إن في وُسْعِك أن تقول للرجل إنه مخطئ بمجرد نظرة، أو لفتة، أو إشارة، وتكون في ذلك بليغًا بلاغتك فيما لو استخدمت الألفاظ.

‫ وإذا قلت لرجل إنه مخطئ، فهل تريد أن يقرَّك على ذلك؟ أبدًا، فإنك قد سدَّدت إلى ذكائه، وحكمه، وكبريائه، واعتباره ضربة مباشرة، ولكنها لن تجعله يحيد عن رأيه. نعم، في استطاعتك أن تغرقه في بحر من منطق «أفلاطون» أو «إيمانويل كانت» ولكن لن تغير من رأيه شيئًا ما دمت قد جرحت كبرياءه.

أتعجب كثيرًا عندما أجد تعليقات ساخرة من فتيات بسيطات على صور لزوجة أحد المشاهير مثلًا، تنتقد تعليقاتهن ملابس الزوجة وألوانها والبراند الذي تشتري منه، رغم أن هذه السيدة مثلًا يمكنها أن تشتري المدينة التي تسكن فيها هذه الفتيات، ورغم أن الفتاة من هؤلاء ربما تدَّخِر من مرتبها مع إعانات من الأهل لمدة عشر سنوات حتى تحصل على حذاء من أحذية السيدة، ولكن لأن السيدة لا تهتم بهذه التفاهات ولأنها تعلم أنها لا تحتاج إلى أن تثبت لغيرها تألقها وتفردها فإنها ترتدي ما تراه مناسبًا مَهْمَا كان بسيطًا، وتركت كل المظاهر الفارغة لفتيات فارغات تافهات لا يملكن من الحياة إلا «أكاونت»

فـ«التجريس» ليس من النصيحة، وفَضْح المخالف أو كما يقولون «طلَّعته على المسرح» ليتلقى وابل السخرية والتنمُّر ليس من النصيحة، ومعارضة أولي العلم بجهلٍ ليس من النصيحة، والسب والشتم والتعيير بأخطاء الماضي ليس من النصيحة، والتحكم في آراء الناس وأفعالهم وملابسهم وعلاقاتهم ليس من النصيحة.

ولو عَلِم نفسه على حقيقتها لعَلِم أن أوله نُطْفَة مَذِرَة، وآخره جيفة قَذِرة، وهو بينهما يحمل العَذِرَة،

وفي الرسالة: «وإن من البلاء أن يقوم غير مختص ليعترض على مختص فيخطئه ويغلطه، وإنَّ من حق من لا يعلم أن يسأل ويتفهم، لا أن يعترض ويجادل بغير علم».

ظهرت على السطح مصطلحات مثل «قصف الجبهة» أي إحراج الآخر والسخرية منه ومن أفعاله، وما يتبعه هذا من تشجيع واستحسان من الغوغاء وعديمي العقل والثقافة ومتنطعي الدين، إن بعض النَّاصحين في زمننا لم يعد يعنيهم الخير للمنصوح، ولم يعد مقصدهم الرغبة في هدايته، وإنما أصبح شغلهم الشاغل كمية السخرية التي تزخر بها نصيحتهم، وفضح عورات المنصوح وتذكيره بأنه في أسفل السافلين، ومصمصة الشفاه على اجتهاده وآرائه وتصوراته ومآله؛ لأن كل ما سبق هو الذي سيجلب الشهرة، وسيزيد مرات «اللايك» و«الشير»، وهو المطلوب إثباته

د- أن تكون النصيحة بأسلوب التلميح وليس بأسلوب التصريح (نقد الفكرة دون التعرض لقائلها).

وعن عبد العزيز بن أبي رواد قال: «كان الرجل إذا رأى من أخيه شيئًا أمره في سِتر، ونهاه في سِتر، فيؤجر في سِتره ويؤجر في أمره ويؤجر في نَهيه»(

وقالت أم الدرداء رضي الله عنها: «من وعظ أخاه سرًّا فقد سرَّه وزانه، ومن وعظه علانية فقد ساءه وشانه»، ويقال: من وعظ أخاه سرًّا فقد نصحه وسرَّه، ومن وعظه جهرًا فقد فضحه وضرَّه.

قال سليمان الخواص: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الأشهاد فإنما بكَّته».

«وعلامة الناصح إذا أراد زينة المنصوح له أن ينصحه سرًّا، وعلامة من أراد شَينه أن ينصحه علانية، فليحذر العاقل نصحه الأعداء في السر والعلانية

عن ابن مبارك، قال: «كان الرجل إذا رأى من أخيه ما يكره، أمره في سِتر ونهاه في سِتر، فيؤجر في سِتره، ويؤجر في نَهيه، فأما اليوم فإذا رأى أحد من أحد ما يكره، استغضب أخاه وهتك ستره».

قلت لمِسعَر: تحب أن يخبرك رجل بعيوبك؟ قال: أما أن يجيء إنسان فيوبخني بها فلا، وأما أن يجيء ناصح فنعم.

قلت لمِسعَر: تحب أن يخبرك رجل بعيوبك؟ قال: أما أن يجيء إنسان فيوبخني بها فلا، وأما أن يجيء ناصح فنعم.

‫ ويبدو أن الإمام الشافعي نفسه لم يَسلَم من نصيحة أحدهم له على الملأ أو أنَّه أراد أن يعلم غيره فقال:

‫ تعمَّدْني بنصحك في انفرادي

‫ وجَنِّبْني النصيحة في الجماعة

‫ فإنَّ النُّصح بين الناس نوعٌ

‫ من التَّوبيخ لا أَرْضَى استماعَه

‫ وإنْ خَالَفْتَني وعَصَيتَ قولي

‫ فلا تَجْزَع إذَا لم تُعْطَ طاعة