رواية بيت السناري ليست مجرد استدعاء لبيت أثري قائم في حي السيدة زينب بل محاولة فنية جريئة للاقتراب من واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا وتعقيدًا في تاريخ مصر الكاتب لا يكتفي بسرد التاريخ بل يعيد قراءته عبر نص يمزج بين الوثيقة والخيال ويفتح أمام القارئ مشهدًا واسعًا لبلد كانت تتنازعه قوى متصارعة مماليك ينهشون بعضهم وعثمانيون غائبون وفرنسيون دخلوا بثقة القوة وبريطانيون يترقبون الفرصة

من الصفحات الأولى يتضح أننا أمام رواية لها رؤية، لا مجرد إعادة حكي لما قاله الجبرتي أو ابن إياس الكاتب يعيد تشكيل الوقائع بما يخدم عالمه الروائي واضعًا الفن في المقدمة، والتاريخ كمادة قابلة للتأويل وهو ما يميز الرواية التاريخية الجيدة

النبذة الخلفية موفقة وذكية تقدم لنا الراوي العبد الذي بيع في أسواق الرقيق ثم شق طريقه نحو الحرية بالذكاء والدهاء فتفتح أسئلة مبكرة حول الهوية والسلطة وإمكانية كسر المصير المفروض

البيت نفسه يتحول إلى بطل صامت ليس مجرد بناء أثري بل شاهد على رحلة إنسان انتزع حريته رغم القيود الطبقية والعرقية

إبراهيم كتخدا السناري لا يظهر كمملوك تقليدي بل كنموذج استثنائي فتى أسود خُطف وبِيع ثم صعد تدريجيًا ليصنع لنفسه مكانة وسط عالم لا يعترف إلا بالقوة هذا الصعود يظلل الرواية كلها فتُقرأ كحكاية مقاومة داخلية بقدر ما هي رواية عن صراع قوى وجيوش

الرواية تعيد رسم المشهد الكبير لتلك الحقبة صراع مملوكي مدمر

سلطة عثمانية منشغلة بالجباية

حملة فرنسية تنظر إلى مصر كغنيمة

وشعب محاصر بين ظلم الداخل وقسوة الخارج يدرك أن خلاصه الحقيقي لا يمنح بل ينتزع

ويتجلى تميز الكاتب في تشريح نفسية المصريين في هذا الزمن المأزوم كاشفًا تحولات وعيهم قبل انفجار ثوراتهم

واحدة من أقوى شخصيات الرواية هي زينة، التي يمكن قراءتها على مستويين

على مستوى الحكاية فتاة جميلة تتنازعها أهواء المماليك ويطاردها الضابط الفرنسي دوبريه، ويحبها حسن حتى الفناء

وعلى المستوى الرمزي تصبح زينة صورة لمصر نفسها بلد منتهك ومطمع للجميع ضعيف في الظاهر قوي بقدرته على البقاء الكاتب لا يصرح بالرمز لكنه ينسجه بدقة تجعل القارئ يلتقطه دون عناء

الشخصيات الرئيسية:

إبراهيم السناري رجل يصنع أسطورته بالعقل لا بالسيف، يحاول الابتعاد عن الصخب فيجد نفسه في قلبه

زينة الجميلة التي تعكس هشاشة الوطن وقوته معًا

حسن الجعيدي المصري البسيط الدائم الوقوف على الهامش، يراقب وطنه وحبه بعجز موجع

دوبريه الغرب بنظرته القائمة على التملك لا الفهم

لغة الرواية متزنة تميل أحيانًا إلى الشعر دون إسراف الجمل قصيرة إيقاعها سريع يناسب زمنًا مضطربًا الكاتب ينجح في منح القارئ روح التاريخ دون أن يغرقه في تفاصيله فلا تتحول الرواية إلى وثيقة جافة ولا إلى خيال منفلت

النهاية المفتوحة كانت مناسبة لطبيعة العمل فالتاريخ نفسه بلا نهاية واضحة ترك مصائر زينة وحسن ودوبريه معلقة يعكس حال مصر في ذلك الوقت بلد تائه تتقاطع فوقه كل القوى

أما نهاية إبراهيم السناري فهي لحظة إنسانية مؤثرة تختصر رحلة رجل حُرم كل شيء ثم صنع لنفسه قيمة وسط عالم قاسٍ

في المجمل بيت السناري رواية مهمة وممتعة، تقدم التاريخ برؤية فنية واعية، وتطرح أسئلة عن الحرية والسلطة والهوية والمقاومة

وقيمتها الأهم أنها تذكرنا بأن التاريخ ليس حكايات قديمة، بل مرآة نرى فيها حاضرنا بكل ما يحمله من صراع وقلق وأمل

#بيت_السناري

#عمار_على_حسن

#مسابقة_أبجد

#حصاد_العام

#أبجد

#فنجان_قهوة_وكتاب

#مسابقة_حصاد_العام_مع_أبجد_وجروب_فنجان_قهوة_وكتاب