مراجعة رواية "نيران توبقال"
للكاتب فيصل الأنصاري
الصادرة عن دار نشر " Hamad Bin Khalifa University Press"
بين دفتي رواية "نيران توبقال" للكاتب فيصل الأنصاري، نحن لسنا أمام مجرد سرد تاريخي لبلاد المغرب في القرن السادس عشر، بل أمام تشريح دقيق لشهوة السلطة حين ترتدي ثوب القداسة، وصراع الإرادة الإنسانية مع قوى الغيب...
1. الارتكاز التاريخي والفانتازيا الواعية
ما يميز "نيران توبقال" عن غيرها من الروايات التاريخية هو "الوعي بالحدود". لم يسقط الكاتب في فخ الفانتازيا المقحمة، بل جعل من شخصية (داغر) المشعوذ تجسيداً لجانب "الظل" والشر المستتر، بينما مثّل (ابن أبي محلي) الجانب الإنساني الذي يمتلك الورع والعلم، لكنه يفتقر لمقاومة إغراء "نافذة المصير". الرواية تضعنا أمام تساؤل أخلاقي: هل تبرر الغايات العظيمة استخدام وسائل مدنسة؟!
2. الشخصيات: بين "المهدي المنتظر" و "المشعوذ الأخير"
ابن أبي محلي: رسمه الكاتب ببراعة كبطل تراجيدي بامتياز...
هو ليس شريراً بالمعنى التقليدي، بل هو "العالِم" الذي انزلق تدريجياً من إصلاح أحوال الناس إلى الرغبة في حكمهم. التحول من منابر العلم إلى أسوار مراكش وسفك الدم/اء كان تحولاً نفسياً عميقاً جسدته الرواية بصدق.
داغر ونافذة المصير: يمثل داغر المحرك الخفي للأحداث، و"نافذة المصير" هنا ليست مجرد أداة سحرية، بل هي "الفخ" الذي يسقط فيه كل من يظن أنه قادر على التحكم في المستقبل..
3. الصراع: أكثر من مجرد سيوف ودماء
تجاوزت الرواية فكرة الصراع الحربي لتصل إلى "صراع الهويات". نجد مجموعة المرتحلين من الشام ومصر والصحراء، والذين يمثلون "الإنسان العادي" الذي يجد نفسه فجأة وقوداً لنيران لم يشعلها. هذا التنوع الجغرافي (من دمشق إلى مراكش) لم يكن غرضه الوصف السياحي، بل كان يخدم فكرة أن "الفتنة" إذا اشتعلت في مغرب الأرض، وصل دخانها إلى مشرقها...
4. الفلسفة الكامنة
أقوى ما في الرواية هو لحظة "الارتداد على الذات". ففي ختام الرحلة، يدرك البطل أن عدوه الحقيقي لم يكن "السعديين" ولا "داغر"، بل كان نفسه.
"هل غدرت بي نافذة المصير؟! أم ربما نفسي!!"
هنا تلخص الرواية مأساة الإنسان الذي يحاول إصلاح العالم قبل أن يصلح دواخله، وكيف أن "نيران توبقال" لم تكن تحرق الأعداء، بل كانت تحرق روح البطل التي تلوثت بالطموح الزائد..
5. القيمة الجمالية واللغوية
لغة الرواية "رصينة" تناسب الحقبة الزمنية، لكنها "متحركة" لا تشعرك بجمود الروايات التاريخية التقليدية... استطاع أن يحول مدينة مراكش بساحاتها (الفنا والكتبية) من مجرد مسرح للأحداث إلى "شاهد عيان" يرفض الظلم مهما كان مصدره.
.. **رواية "نيران توبقال" هي قراءة ضرورية لكل من يبحث عن عمل يجمع بين دقة التاريخ، إثارة الفانتازيا، وعمق التحليل النفسي. هي صرخة تحذير من أن الطرق المعبدة بالنيات الحسنة قد تؤدي إلى الجحيم إذا ما اختلطت بالسحر والسلطة.
تقييمي: 4.5 /5
اقتباسات
❞ كان أبي الخيمة الحانية التي تحمي عائلتنا الصغيرة من تقعُّر وجه الزمن، ❝
❞ - يا لك من معتوهٍ أبله.. يا عديم الْفَهْم ألا تعلم أن السلاطين إذا قَبِلْتَ عطيتهم فإنهم ينتقصون من قدرك ولا يعترفون بسطوتك ويسيُّرونك تابعً ❝
❞ اسمع يا (ابن أبي محلي) لا يريد القَدَر أن تجري حياتُنا على ما نستحق، فيبعثر آمال الناس وأحوالهم عكس ما يُمَكنُّهم من ذلك، فإذا التقى الحُصَفَاء من أهل العلوم العليا وتمكنوا من جمع أولئك بتلك فإنهم يُحكمون قبضتهم على تدافع الأيام، عندها يعطلون حبكة القدر ويذللون لأصحاب القوى الالتقاء بوسيلتهم، فيصل كل منهم إلى ما يستحق.. لا ألومك إن شردت مجددًا.. على كل حال.. نلتقي قريبًا في سجلماسة.. إلى اللقاء. ❝
#أبجد
#نيران_توبقال
#فيصل_الأنصاري
#مسابقة_نيران_توبقال_على_أبجد
Abjjad | أبجد
Hamad Bin Khalifa University Press

