مراجعة كتاب يأجوج ومأجوج
هي الصدفة وحدها التي جاءت بيأجوج ومأجوج بين يدي، صدفة كوميدية، حيث وضعت بوست على حسابي بتطبيق التيك توك عن قراءات شهر يونيو الماضي والصوت بالخلفية يذكر أنه ينقص يأجوج ومأجوج (بصوت أكرم حسني في مسلسل الكابتن)، وما لي أن وجدتُ صديقًا عزيزًا لي في أول لقاء لنا أحضر الكتاب لي وكأنه صدق مقولة الممثل، ولكني أشكره على هذه المجاملة والصدفة الجميلة التي كانت سببًا في قراءتي لهذا الكتاب".
وكتاب "يأجوج ومأجوج" هو العمل الثالث للكاتب الدكتور أسامة عبد الرؤوف الشاذلي، أستاذ جراحة العظام، الذي تخرج في "كلية الطب" جامعة عين شمس عام 1998، وصدر له سابقًا رواية "أوراق شمعون المصري" ورواية "عهد دميانة" عن دار نشر الرواق.
ليأتي كتاب "يأجوج ومأجوج ولقاء مع ذي القرنين" ثالث الأثافي مع دار الرواق عام 2025، تحت تصنيف "كتب إسلامية" في إطار يجمع بين الدين واللغة والعلم، كتبه في 244 صفحة، بلغة سردية عربية فصيحة.
"وما كان الله يطلعكم على الغيب، أي وليس من المصلحة كذلك، أن يطلعكم الله – أيها المؤمنون – على ما ليس بمعلوم لكم في مستقبلكم لأن منه ما لو علم مقدمًا يكون مصدرًا للبلبلة والتفكك فيما بينكم بل يجر إلى تخاذلكم."
شكر واجب إلى الكاتب الذي جعلني أتفكر كما نصح داخل الكتاب، وأن أرجع إلي أكثر من كتاب، وأتدبر الآيات القرانية المذكورة مرة أخرى بعين باحث وليس قارئ عادي أو ناقد، فقد أظهر خبايا مهمة استفدت منها على المستوى الشخصي فالشكر واجب.
وجب التنويه أن المراجعة تنقسم إلي ثلاثة أجزاء: يستطلع الجزء الأول عرض لمحتوى الكتاب من الفكرة والهدف والفرضيات والنتائج التي توصل إليها الكاتب والدراسات السابقة والمراجع، لكن إن كنتَ ذا اهتمام أكبر وقرأتَ الكتاب فانتقل معى إلى الجزء الثاني والثالث، فالثاني يعرض آراء القُرَّاء حول الكتاب متباينة ما بين التنويريين والمحافظين، حيث هناك من اتفق مع الكاتب وهناك من لم يتفق معه، أما الثالث فيتعمق أكثر للرأى الشخصي لي حيث قمت بتقسيم رأيي إلى ثلاث جوانب؛ لإعطاء كل جانب حقه في التفنيد والعرض، فنرى الجانب الأول يراجع الكتاب من ناحية المنهج العلمي للبحث، والجانب الثاني يشمل تحليل ونقد الكتاب، والجانب الثالث وُضع فيه مقترحات للكتَّاب في هذا المجال.
◾️ولنبدأ معًا القسم الأول:
تتمحور فكرة الكتاب حول نظرية الفيضان البركاني، وأن يأجوج ومأجوج في الحقيقة ليسوا أشخاصًا أو قبائل محبوسة، وإنما ظواهر طبيعية (براكين وفيضانات)، وأن ذا القرنين هو أحد الرحالة الإغريق المشهورين في التاريخ، وأن رحلته المذكورة في القرآن كانت لقبائل الإسكيمو في أقصى شمال القطب الشمالي.
احتوت المقدمة على تمهيد نظري مختصر يحدد البحث وأهميته وأهدافه التي يصبو إلى تحقيقها.
أما من حيث مشكلة الدراسة فهي شعور الكاتب بغرابة التفاسير الموجودة بالكتب مجهولة المصدر، والأساطير الإغريقية وأفلام الرعب الأمريكية عن نبؤة يأجوج ومأجوج، بهدف استجلاء أحداثها والفاعلين بها ومكان حدوثها. وقسم كتابه إلى جزئين: الأول عن يأجوج ومأجوج، والجزء الثاني عن لقاء مع ذي القرنين.
يقدم الكاتب دراسة عن أحد علامات الساعة الغيبية، وهي خروج يأجوج ومأجوج ثم ختمها بالمراجع والهوامش.
من خلال الكتاب يقدم الكاتب دراسة موجزة عن قضية دينية غيبية، وهي مَنْ هم يأجوج ومأجوج، ومن هو ذو القرنين، ومن هم القوم الذين قابلوه وأين موقع السدين؟!
سلك الكاتب مسار تحديد من هي شخصية ذي القرنين، وخط سيره وموقع السد الذي بناه كما ذُكر في سورة الكهف.
ويتبنى الكاتب نظرية جديدة حول يأجوج ومأجوج، ولقاء مع ذي القرنين أسماها "الفيضان البركاني"، حيث أفترض الكاتب عدة فروض، ثم حاول جهده لإثباتها بناءً على افتراضات أخرى، وتلك الفروض هي :
🔸️الفرضية الأولي: أن يأجوج ومأجوج ليسوا شعوبًا بشرية، ولكنهم يمثلون قوى الطبيعة الجيولوجية من براكين وزلازل.
🔸️الفرضية الثانية: أن القوم الذين قابلوا واستعانوا بذي القرنين هم قبائل الإسكيمو.
🔸️الفرضية الثالثة: أن ذي القرنين هو الرحالة الإغريقي "بيثياس المارسيلي".
واستعان الكاتب بعدة مصادر اعتمد عليها في تفسير نظريته منها (1) آيات القرآن الكريم من خلال كتب التفسير لسورتي الكهف والأنبياء، (2) الأحاديث النبوية الصحيحة وعلم الحديث، (3) علم اللغة، (4) الجغرافيا (الجيولوجيا)، (5) علم التاريخ، (6) الأنثروبولوجي، (7) الأدبيات اليهودية من أسفار العهد القديم (الإصحاح الثامن والثلاثين والإصحاح التاسع والثلاثين من سفر حزقيال).
حاول الكاتب الربط بين تلك المصادر والنصوص والبيانات الصحفية بشكل منطقي من وجهة نظره ليؤكد على صحة فرضياته.
وخلص منها أن:
⚡️يأجوج ومأجوج ليسوا من البشر، وإنما هم براكين وفيضانات ستحدث بسبب انفجارات متعددة في أماكن مختلفة في القطب الشمالي لا يستطيع البشر صدها.
⚡️ذي القرنين ليس ملكًا عظيمًا، وإنما أكد أنه الرحالة والمستكشف "بيثياس المارسيلي" من العالم القديم.
⚡️أن السد الذي أشيع أنه جبل أرمينيا ليس بالمكان الصحيح، وإنما المكان الصحيح هو الجبال الجليدية في المحيط المتجمد.
⚡️أن القوم الذين لا يفقهون قولًا هم قبائل الإسكيمو.
يثير الكتاب حالة من التوتر الفكري الوجداني داخل عقل القارئ، كما يثير بعض التساؤلات منها (هل ما زال الإيمان بعلم الغيب هو صفة من صفات المؤمن؟ هل يعطي القارئ المساحة من استيعاب كل الفروض ومن تبنى الفكرة أو رفضها؟
أحسن الكاتب اختيار العنوان الذي يحمل معنىً عميقًا معبرًا جدًا عن مضمون الكتاب، كما أن تصميم وألوان الغلاف بوجوه الشخصيات الموجودة فيه كانت مميزة.
في نهاية الحديث عن الكتاب، أرى أنه ينبغي على كل باحث في هذا الشأن أن يثبت صحة أو خطأ تلك النظرية.
هو مختلف كل الاختلاف مع من سبقوه، فقد هدم السابق ولم يبني عليه حيث:
بالنسبة للسدين:
في الرأي القديم هما جبلان عظيمان (جبل أرمينيا وجبل أذربيجان)، أما الكاتب فيرى أنهما جبلان من الثلج بالقطب الشمالي.
بالنسبة للقوم الذين لا يفقهون شيئًا:
في الرأي القديم هم الزنج، أما الكاتب فيرى أنهم قبائل الإسكيمو.
بالنسبة ليأجوج ومأجوج:
في الرأي القديم هو قوم بشر من آدم، أما الكاتب فيرى أنهم براكين وفيضانات وزلازل.
◾️القسم الثاني:
بمقارنة العمل على تطبيق القراءة أبجد، والذي يمكن اعتباره أحد مصادر البحث الإحصائية - اعتقد أنها غير مؤكدة بنسبة 100% - أرى أن العمل تفوق على مثيله من الكتب لكبار الكتاب في نفس المجال بالمقارنة مع توقيت إصداره، فالكتاب بعدد صفحاته 248 تقييمه 4,2 وعدد القراءات 14679 بمراجعات تصل إلى 566 مراجعة حتى يوم 26-11-2025.
في هذا القسم سيتم عرض آراء القرَّاء حول الكتاب، وسيتم عرض ذلك كالآتي:
1️⃣ يرى التنويريون أنه كتابًا تنويريًا، واتفقوا مع استنتاجاته، وأنه كان أداة لإعمال وتحفيز العقل، وأنه اجتهاد معاصر مكلف به كل عاقل، وأن الإسلام حض على التفكر والتدبر والتأمل في كل زمان، على النقيض رأى المحافظون أنه كتاب هراء مثير للجدل يحمل فكر عبثي لشخص عادي، كونه لم يتم مراجعته من قبل الأزهر الشريف، ويمكن إدراجه ضمن الكتب مجهولة المصدر التي ذكرها الكاتب في صدر مقدمة الكتاب.
2️⃣ يرى التنويريون أن الكتاب دعوة للبحث في مواضيع بدا أنها من المسلمات، وأنه ناقش الروايات بمعايير علمية لا تنكرها علوم الحديث، بينما يرى المحافظون مخالفة الكتاب للتفسيرات المعتادة، وتعصب الكاتب لفكرته وتشنيعه لأفكار غيره، مستبعدًا أو متجاهلًا وجهات النظر الأخرى، حيث اقتصر على أحاديث الصحيحين حول يأجوج ومأجوج غير كافٍ، إذ أن هناك أحاديث أخرى ترتقي إلى مرتبة الحسن في غيرهما مما يدحض نظريته هذه، ولم يقتنعوا بنظرية المؤلف أن يأجوج ومأجوج هم عبارة عن براكين وزلازل.
3️⃣ يرى البعض أنه كتاب بسيط ودراسة موجزة تدعو للتأمل والتدبر، ويرى البعض الآخر أن الكاتب ابتعد عن الأدلة الشرعية والبحث الموضوعي والربط العلمي المنطقي المدروس وقربه من جانب الجدل، وعدم تفنيد الكاتب لتلك الآراء (الدراسات السابقة) لبيان عدم صحتها من عدمه، وسطحية البحث خصوصًا فيما يتعلق باللغة والحديث، فشعر البعض أنه أحيانًا ما إن يجد ما يوافق فكرته سواء في اللغة أو الحديث يستشهد به فورًا.
4️⃣ رأى البعض أنه اجتهاد جيد للكاتب، وآخرون رأوا ادعاء الكاتب امتلاكه للحقيقة المطلقة، باتباعه سياسة فرض الرأي وليس الإقناع، حيث يثير لديك شعور بتسخير التفاسير المواتية الفكرة، لعدم ذكره التفاسير الأصلية ورأيه فيهـا، وإنما عرض تفسيره الخاص فقط (حديث الدجال للإمام مسلم صـ107).
◾️القسم الثالث:
من يقول أن هناك رقابة على الفكر، فأنا من خلال قراءاتي القليلة وليست الكثيرة، وجدت أن الكاتب يضع فكره سواء كان علميًا أو دينيًا أو سياسيًا داخل السرد سواء بصورة صريحة أو رمزية دون قيام أية جهة من الجهات التي تسمى رقابية بحذف أي جزء منها أو سحب الكتاب من السوق.
فمثل تلك الأعمال تحتاج إلى إجازة من الأزهر الشريف، ومن يقول غير ذلك فقد جانبه الصواب، لأن الكاتب له جمهور كبير من قراء أدبه الذين يثقون بقلمه وكل كلمة يسردها، فمن الأمانة الأدبية أن يحيله إلى جهة أعلى لتؤكد على ما فيه من آراء وتبعده عن انتقادات الناقدين وتمنع الجدال في هذا الشأن.
الرأي الشخصي للمراجع: قمت بتقسيم رأيي إلى ثلاث جوانب لإعطاء كل جانب حقه في التفنيد والعرض.
الجانب الأول: المنهج العلمي للبحث.
الجانب الثاني: تحليل ونقد الكتاب.
الجانب الثالث: مقترحات للكتَّاب في هذا المجال.
"الإيمان بالغيب لا يتعارض مع إعمال العقل بل يوجهه ويرشده".
♦️الجانب الأول: المنهج العلمي للبحث:
في البداية كنت أتمنى أن أطلع على أي دراسات نقدية عن الطبعة الأولى التى صدرت عام 2012 حتى أستفيد منها، ولكنى لم أجدها وأتمنى لو أستطيع الحصول عليها إن وجدت.
من جانب المنهج العلمى للبحث فقد رأيت أن هناك بعض النقاط التي يجب أن تؤخذ في الحسبان عند كتابة عمل بحثي منهجي، والتي لم أجدها هنا في هذا الكتاب وهي:
◀️ ذكر الكاتب أن الكتاب عبارة عن دراسة موجزة، ولم يوضح أوجه الإيجاز وهل سيتم استكمال بحثه وتعميقه، أم إنها عبارة استباقية للرد على أي رأي منتقد للكتاب.
◀️ عدم عرض جانب منفصل عن الدراسات السابقة في هذا الموضوع، وكأنه يعرض موضوعًا حديثًا لم يتطرق أحد له، وبالبحث البسيط وجدت أكثر من كتاب يتناول جوانب من العمل ومنها على سبيل المثال لا الحصر (أساطير مقدسة للكاتب وليد فكري إصدار دار نشر الرواق عام 2019 - ذو القرنين الذي لا يعرفه أحد للكاتبة إنجي مطاوع إصدار دار نشر إضافة عام 2024). وهذه أعمال حديثة والسؤال الذي يطرح نفسه هل هناك إصدار لأعمال تضع تفسيرًا جديدًا أو إشارات لنفس النظرية التي استند الكاتب عليها؟
◀️ عدم التوثيق بدقة للمراجع في نهاية الكتاب (لم يتم ترتيب المراجع ترتيبًا أبجديًا وفقًا لقواعد البحث العلمي) مما يربك القارئ.
◀️ ذكره لبعض المراجع بالهامش داخل الكتاب وإغفاله حصرها بنهاية الكتاب بقائمة المراجع وهي ص (212،168،163،158،157،142،139،132،128،121،106،74،65،34،28،22،21،8)، فضلًا عن عدم صحة كتابة المرجع سواء بالهامش أو بقائمة المراجع مثل ص (141،140،139).
◀️ عدم وضوح بعض الأشكال (الخرائط) أو الصور الموجودة بالكتاب حيث تم عرضها كما هي دون إعادة تنقيحها من الكاتب لسهولة تحقيقها للغرض من بيانها، كما عرضها بالأبيض والأسود والذي زاد من غموض بعضها. فضلًا عن عدم قيامه بعمل قائمة بنهاية الكتاب ببيان الأشكال المذكورة بالكتاب والتى يبلغ عددها 27 شكلًا.
◀️ هناك كلمات لا تصلح مع البحث العلمي مثل ( استعنت بعدد ضخم من المراجع الشرعية – وبعد شهور طويلة من البحث - وفي هذا مبالغة غير معقولة). وقد وردت بأكثر من موضع بالكتاب.
◀️ قال رسول الله عليه وسلم (ص69) سقط سهوًا (صلى الله) والصحيح (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وأتمنى أن تؤخذ تلك النقاط في الاعتبار في الطبعات الجديدة للكتاب مع الرجوع لأهل العلم من الأزهر.
♦️الجانب الثاني: تحليل ونقد الكتاب:
"لا أنكر أنني شعرت بغرابة هذه التفاسير فقد كانت تثير في عقلي ونفسي شعورًا بعدم الارتياح" ص12، وأتفق مع الكاتب في هدفه من كتابة هذا العمل بأن هدفي أيضًا هو نفس الشعور الذي دفعه للبدء في البحث والتدقيق في الأمر.
من الجانب التحليلي للكتاب فقد رأيت أن هناك بعض النقاط التي أثارت اهتمامي وهي:
⬅️ النفي التام لكل التفاسير السابقة حيث ذكر في ص 16 ما نصه "فالكثير من التفسيرات التي ذكرت لهذه الآية تتنافى تمامًا مع ما توصل إليه العلم الحديث. ويدفعنا هذا إلى القول بأن أمور الغيب النسبي، التي أسهب المفسرون في تأويلها قديمًا بما توفر لديهم من معلومات، تحتاج إلى إعادة قراءة بما توفر لدينا من معلومات أدق وأفضل، خصوصًا إذا ما جرت هذه الاجتهادات الخاطئة مجرى الاعتقاد الراسخ عبر التاريخ"، كما ذكر الكاتب في ص26-27 ما نصه "وكل ما ورد في كتب التفسير عن حقيقة هذا الموضع، وعن هؤلاء القوم، إنما هو اجتهادات لكاتبيها" ، "وأن آراء الفقهاء في ذلك العصر هي محض اجتهاد". ، "ولا يعقل أن يكون هناك شعب محتجز خلف هذه الجبال، ولم يستدل عليه حتى الآن"، وأيضًا في ص92 ما نصه " ولو حاولنا أن نفسر معاني الكلمات السابقة على أن يأجوج ومأجوج من البشر لوجدناها غير متسقة، فضلًا عن كونها تتنافى مع المنطق والعقل". وهذا يمكن أن يفتح الباب لأي شخص سواء متخصص أو غير متخصص أن يقول عما ذكر في هذا الكتاب بالمثل أنها (اجتهادات خاطئة – تتنافى مع المنطق والعقل) طالما ليس هناك رقيب.
⬅️ التناقض في المعنى حيث ذكر في ص15 ما نصه "والغيب المطلق هو ما استأثر الله بعلمه، ولا سبيل لمعرفته أو تأويله لعجز الإدراك عن استيعابه" ثم أكمل "ومن هذه الأمور صفات الله عز وجل، والروح، وأمور الآخرة، والجنة والنار وغيرها"، وبالبحث في اللغة فإن من أمور الآخرة (خروج يأجوج ومأجوج ومكونات أمور الآخرة ما قبل يوم القيامة تشمل الفتن والملاحم وعلامات الساعة الكبرى التي تسبق وقوع الحدث). ولكنه أدرجها ضمن الغيب النسبى حيث ذكر ما نصه "أما الغيب النسبي، فهي الأمور المتعلقة بالماضي أو المستقبل، وأنزلها الوحي على الرسول ليعلمه إياها" وبنى فرضيته على هذا الأساس.
⬅️ بإعادة تكرار عدم وجود مقارنة بكلام مرسل في ص 93 حيث ذكر ما نصه " ولا يوجد وجه للمقارنة بين إهلاك ودمار البراكين والفيضانات، وإهلاك البشر وإفسادهم"، فقد نفى إفساد البشر للأرض دون عرضه لدليل مادٍ أو أرقام إحصائية أو الاستناد إلى دراسات سابقة تؤيد كلامه، كما نفي الكاتب أن البشر قادرون على القضاء على البشرية، ولم يذكر ما فعله بشري اسمه هتلر بالعالم خلال الحرب العالمية الثانية (ولم يكن له أنف ضخم أو حجم جسمه كان غير طبيعي)، وأيضًا رد عليه بشري آخر اسمه ترومان بإطلاقه السلاح الذري.
⬅️ حدد في عرضه لقائمة مخاطر الوجود في ص 76 أن أحد أهم هذه المخاطر هو انفجار البراكين العملاقة لأنها تعد من المخاطر ذات الاحتمالية العالية في نسبة الحدوث وانتشارها على سطح الأرض فقط، دون الأخذ في الاعتبار المخاطر من صنع الإنسان كالحرب النووية والتي أيضًا تنتشر على سطح الكرة الأرضية، وأيضًا حدثت بالفعل في بعض مراحل التاريخ مما يجعلها مخاطر مادية حقيقية كالبراكين ولها نفس المخاطر. هناك ترشيحات غربية بأن البشر سيهلكون إما بارتطام نيزكي أو كارثة مناخية أو تفشي لوباء خطير.
⬅️ تكرار ذكر الكاتب أن الحل لما نتج عنه كتابه هو سبيل العلم فقط، وذكرها في أكثر من موضع ففى ص17 ذكر "أن المحنة الكبرى التي سيشهدها العالم، والتي أخبرتنا عنها الديانات دون الحديث إلى الرجوع إلى الله مثلًا والاستعداد لملاقاته، تستدعي التفكير في طرق الاستعداد لها، وانتهاج سبل العلم لمحاولة الحد من خسائرها". بخاتمة تثير الكثير من التساؤلات وما تضمنه من محاولة الكاتب مخاطبة "أهل العلم أن يحاولوا تفادي هذه الكارثة"، فمن أين هي علامة من علامات الساعة، ونجده في ص 238 يقول ما نصه "في أن نتعاون في مواجهة الخطر المحدق الذي ينتظرنا"، وهذا في رأيي نوع من إثارة الجدل وليس إعمال العقل والفكر. وهنا خطأ فادح حيث نسي أو تناسى في خضم تحليله أن الساعة بيد الله سبحانه وتعالى وحده. يجب على كل انسان أن يكون مستعدًا لهذا اليوم العظيم بما يقدم من عمل طيب يهديه إلى الجنة ويبعده عن النار وعذابها.
⬅️ ذكر في ص 101 أن ما نصه "وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم"، إنها يأجوج ومأجوج (براكين)، على الرغم أن الحديث ذكرها بصورة منفصلة عن يأجوج ومأجوج وأنها أحد أشراط الساعة العشرة فهي علامة أخرى غير يأجوج ومأجوج، فدمج الكاتب الاثنين معًا في تأويله لتأكيد نظريته على الرغم من انفصالهم في الحديث.
⬅️ بعد قراءتي ظننت أن ما حسبت أنه ماء وجدته سرابًا، إذا كان يأجوج ومأجوج هما البراكين والفيضانات، وهما تحت إحصاء البشر فما الغيب هنا؟ (هل في موعد إطلاقهم؟)، فأرى أن الكاتب استبدل الماء بالماء ولم يأت بجديد وأرجعنا إلى نقطة الصفر بآراء جدلية.
⬅️ عرض أفكاره في هيئة مبادئ وقواعد يرسيها الكاتب، وليست آراء تحتمل الصحة أو الخطأ، حيث خلال سرده في ص59 يقول "وهي أرض ما في المنطقة القطبية الشمالية"، وأيضًا في صفحة 63 "إن ذي القرنين قد قابل شعبًا يقطن في المنطقة القطبية الشمالية"، ثم في ص 66 "في أي مكان في المنطقة قابل ذي القرنين"، وفي النهاية أشار أن عمله القادم هو "رحلة بيثياس" فهو تأكيد لما عرضه من إنه ذي القرنين فلم يترك فرصة للقارئ حتى يتبين مدى صحة ذلك.
⬅️ عدم الالتزام بمسار الدراسة طوال العرض حيث نقلنا نقلًا غريبًا من الدين والتاريخ واللغة إلى السياسة والتي أعتقد أنه حاده التوفيق لذكرها هنا لما لها من تشتيت لفكر القارئ.
فنرى فقرات لم تخدم التأويل، وموضوعات لم يتم الإجابة عليها، حيث قام بإسهاب في غير محله في الصفحات (65 ، 74) والخاصة بلغة الاسكيمو والبراكين، وأيضًا المؤامرة واستغلال قصة يأجوج ومأجوج في سفر حزقيال. وكان الأحرى أن يتعمق الكاتب في تفنيد آرائه وأن يتم الإجابة على (هل المارسيلي مؤمن حق الإيمان – سور الصين هو السد أم لا – إدراج ما تم إضافته على النسخة الأولى).
⬅️ جانبه الصواب من حيث إلمامه بأسس البحث العلمي من الإلمام بطرق التوثيق المختلفة سواء في هوامش الصفحات أو في نهاية البحث. واستعراض البحوث والدراسات السابقة لهذه المشكلة، وترتيب عناوين الكتب ترتيبًا أبجديًا، والتي كان من الممكن تفاديها من قبل المحرر الأدبي أو المراجع إن وجد.
⬅️ الموضوع ليس جديدًا فتم دراسته من قبل، فلم يدرج الكتب التي عالجت الموضوع ولو حتى معالجة جزئية مثل كتاب أساطير مقدسة للكاتب وليد فكري إصدار نفس دار النشر الرواق عام 2019 مما يدل على عدم وجود محرر للنص يشير إليه لتلك النقطة الهامة.
♦️الجانب الثالث: مقترحات للكتَّاب في هذا المجال:
من الجانب التحليلي للكتاب فقد رأيت أن هناك بعض النقاط يجب على الكتَّاب في هذا النوع الانتباه إليها وهي:
- عدم التقليل من آراء السابقين.
- الاستعانة بمُراجع أو محرر (يعمل مقام المشرف على البحث في الجامعة) على دراية بموضوع الكتاب لأخذ رأيه والعمل بنصائحه، سواء من قبل الكاتب أو دار النشر.
- عدم الوقوع في خطأ الرغبة في عرض الأفكار في غير موضعها، فعندما تتكلم عن أحداث دينية لا تتطرق للسياسة.
✍️الخلاصة:
أجاد الكاتب عرض رسالته بقلم كاتب ماهر يعرف أدواته. نحن أمام عمل تام في تسلسل منطقي مدعم بالأدلة والبراهين وموثق بالمراجع والمصادر في إطار هيكل متماسك يسلم إلى نتائج. استخدم الكاتب أسلوب البحث العلمي، ولكن اعتمد على مصادر تعتبر ضعيفة في مناهج البحث العلمي ومنها الرأي الصحفي. قام بالرجوع إلى الجانب اللغوي المتعلق بطبيعة اللغة العربية.
الكاتب لديه ملكة قادرة على التحليل والاستنتاج وتظهر شخصيته في دراسته. كاتب واثق بنفسه ومُصِر على الوصول لهدفه، له قدرة على ربط الأمور ببعضها ليصل بالنهاية إلى مسعاه، ولكنه لم يقدم دليلًا قاطعًا على نظريته. حاول إخضاع عقل القارئ وقاده إلى تخيله الجديد، فكان يلقي عليه الكلمات والقارئ عليه التسليم دون اعتراض أو تقديم رأيه الشخصي عليه.
وفي هذه المرة لن أحدد التقييم حتى لا أفرض رأيي على القارئ لأن السرد يوضح كل شيء بالمراجعة وعلى القارئ أن يستنبط التقييم بنفسه ويعطيه هو التقييم وفقًا لاقتناعه.
وإلى الملتقى في مراجعة أخرى.
د.محمد الشخيبي

