عالمي الهادئ > مراجعات رواية عالمي الهادئ > مراجعة Mahmoud Toghan

عالمي الهادئ - إسماعيل وهدان
تحميل الكتاب

عالمي الهادئ

تأليف (تأليف) 4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

1️⃣ الموضوع : قراءة نقدية

2️⃣ العمل : " عالمي الهادئ "

3️⃣ التصنيف : فلسفية ـ نفسية

4️⃣ الكاتب : Ismail Wahdan

5️⃣ الصفحات : 127 Abjjad | أبجد

6️⃣ سنة النشر : 2018 م

7️⃣ الناشر : روافد للنشر والتوزيع

8️⃣ التقييم : ⭐⭐⭐⭐

▪️ـ روي عن سيدنا رسول الله ﷺ قوله : " مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ ، مُعافًى في جسدِهِ عندَهُ قوتُ يومِهِ ، فَكَأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا بحذافيرها " هذا الحديث شرحه شرحاً ممتعاً موجعاً إسماعيل وهدان في شكل قصة ، وما أكثرَ الروايات التي تهتف وتفجع ، وما أقلّ تلك التي تهمسُ وتدمع ، همسًا يدوّي كالرعد في الآذان ؛ لتسيل الدموع قبل العين من الوجدان ، نص لا يحاك بالكلمات والعبارات ، بقدر ما يُحاك باللعنات والآهات والأنّات!

▪️عمل لا يُقرأ هذا صعب ، بل يُنزَع نزْعًا من لحم الحرب ؛ نصٌّ لا يُصافح العقل بالحبكة والفنون ، بل ينتزع روحه من براثن السكون ، يُلقي به في فم العاصفة ، لتتلقفك القنابل الناسفة ، عنوانها سكينة وبراح ، وباطنها فجيعة ونواح ، لفظها صمت في طمأنينة ، ومعانيها رجفة حزينة ، يبتسم الهدوء في الآفاق ، بينما يزأر الجحيم في الأعماق ، عالم هادئ إسماً ، ملعون رسماً ، مجنون وسماً ، يلمع فيه الضوء على حواف الظلام ، ويخفت فيه الحـرب إن حضر السلام .

▪️ـ ليس ثمّة رواية تُستقبل بالسكينة والوقار ، بينما هي مبنيّة على الاضطراب والدمار ، مثل «عالمي الهادئ» .. فمنذ العتبة الأولى، يُلقي إسماعيل وهدان قارئه في قلب مفارقة بلاغية مُرّة: عنوان يَعِد بالهدوء وينعم بالرشاد ، ونصّ يفيض بالعصف والدم والرماد .. لا يقف النص على أطراف الحرب ، بل يدخلها من بابها المشتعل ، يتوغل فيها ، يشرحها ؛ ليشهد وقائعها من جانب ، ومن آخر ليُفكّك أسبابها ويفضح قسوتها ، ويلعن وطأتها ، ويعيد الإنسان — ذاك المخلوق المنكسر — إلى مركز السؤال الوجودي الأكبر: لماذا نُقاتل؟ ومن نقاتل ، ولمتى نقاتل ، ولمن ندفع أرواحنا رهائن؟

▪️في هذه الرواية أنت تعيش الحرب ، بصفتها تجربة قسرية تُلقى على كتفي رجلٍ اسمه جِرْم؛ رجل لم يحمل طموح الجندية ، ولم يطلب شرف الميدان ، مُسلوب الإرادة ، يُقاد إلى الحرب كما تُقاد الذبيحة إلى المدبح .. يرمي فيها كما السنابل في طاحونة الدقيق ، لا يملك قرارًا، ولا يستطيع فراراً ، ولا يحمل يقينًا ، وإنما يعلوه أنيناً ، يرتمي فجأة داخل معسكرٍ عابسٍ يعلّق على بوابته لافتة واحدة: «الحياة هنا تُسلَب، فلا تسأل» ..

▪️ـ وهناك تبدأ المأساة: رائحة الدم حين تفور، غبار القذائف حين يثور ، الجثث وهي تُرمى فوق بعضها كأخشاب مبتلة ، وهنت من الإغراق ، والعيون وهي تنطفئ ببطء كشموعٍ معتلة ، تعبت من الاحتراق .. وهل تكتفي الأقدار بهذا …؟

لم تكتفي بجحيم الحرب، بل ترمي بطلها في متاهة الأسر والهروب، ليصبح جرم جسدًا تائهًا بين المعسكرات، وروحًا معلَّقة بين الموت والحياة .. يتقاذفه القدر مرةً إلى قبضة الجيش، وأخرى إلى الأسر، وثالثة إلى يد رجل غامض يُدعى بارِج ..!

▪️ـ بارِج : من طفل بسيط يعانى الشتات ، لمحارب خاص في القوات ، رجُلٌ خُلق ليُناقض الحرب بسلامه ، ويُحارب المقاتلين بسلاحهم، ويحمل على كتفيه ميراثًا من الفجيعة جعله لا يؤمن بسلامٍ يولد من المفاوضة، بل بسلامٍ يُنتزع من أنياب البنادق .. يقتحم معسكرات، ويمحو مستوطنات، ويجعل من رائحة البارود معولًا لهدم كل يدٍ ترفع السلاح على غيرها .. ولذلك لم يكن اسمه اسمًا، ولا وسمه وسماً ، ولا صفته صفة؛ كان شبحًا من أشباح الفقد، انتزعته الجيوش من رحمها ثم لفظته لأنه أقوى من أن يُستَعمل، وأخطر من أن يُترك.

▪️ـ يترافق جرم وبارج مسيرةً شنيعة ، يقتسمان الطريق بين هدمٍ وهرب، بين رغبة وغضبٍ ، حتى يسقط بارج ، ويجد جرم نفسه وحيدًا، مُثقَل الروح، مُحمَّل الذاكرة، يبحث عن ظلٍّ آمن ، هارباً يصل إلى قرية منعزلة، يجد أن العالم — رغم صليل الحديد — لا يزال قادرًا على خلق بقاعٍ طاهرة، بقاعٍ لا تعرف صوت المدفع ولا لون الدم .. هناك، بين المروج والحقول، يجد جرم فتاته وأمل حياته " نَيْرَة" ؛ فتاةً تشبه نافذةً فُتحت على الفجر، تُغسل بوجودها شقوق القلب، وتعيد إليه ما سلبته الحرب ، من قهر الجحيم إلى نورٍ ونعيم .. ابتسامتها وميضٌ، وخطواتها رجاء، وحضورها يقينٌ بأنّ الإنسان، مهما تعثّر في دروب الجحيم، لا يزال يملك القدرة على أن ينهض إذا وجد يدًا تُخرجه من ظلامه.

🔸ـ لكنَّ عالمًا قام على الهدمِ والقتالِ والحروبِ والجيوشِ والمعاركِ والفِرارِ والمرارِ والنارِ، هل سيترك للخُضرةِ، وللهدوءِ، وللقرارِ والحب ، مكانًا يُنعَمُ فيه؟ أبَدًا… لم يكن ! دُمِّرت هذه القرية من قبل الجيوش ، ولكن نجا الاثنان، فَرّا نحو البحار، وعلى شاطئ المحيط وقفا، واستوطنا حياةً جديدة، وكتبا قصتهما، وتلك هي التي قرأناها .. وقد وعد الكاتبُ القرّاءَ بقصةٍ فريدةٍ ، ونهايةٍ سعيدة.

▪️ـ قلوبٌ وأنفُسٌ صوّرتها الروايةُ بين ثلاثة: أحدُهم لا يرضى ويخاف ويَفِرّ .. والآخَر لا يرضى ويواجه وينتقم .. والثالث لا يفقدُ الأمل، يبحث عنه حتى في السَّراب .. وفي تصويره خيال ممزوج بواقع ، وألم فاضت معه المدامع.

▪️ـ نداءٌ — بعد كثيرٍ من التساؤلات — لكلِّ من آلمه الفقدُ والموتُ، وطالته الأهوال، وتغيّرت عليه الأحوال، ومزّقته الهموم ودثرته الغموم .. إنّها همسة عاصفة من الكاتب، نزلت بعطفٍ على قلوبٍ وَهَنَت، وأنفُسٍ تَعِبَت، وأرواحٍ ضَمِرَت؛ أنّ الأملَ باقٍ، وأنّ الربَّ — جلّ وعلا — يَعلَمُ حالَنا، ويرانا، وكلُّ مقدورٍ ونحن نمضي.

▪️ـ بلُغةٍ عربيةٍ قويّةٍ، سهلةٍ شجيّةٍ، بسيطة ندية ، تحمل متّسعًا من المعاني على ظهر قليلٍ من العبارات، وتنقل صرخاتٍ وآهاتٍ بهمسٍ أشبه بالصمت .. سرد سريع وحوار مناسب وفكرة قوية وحبكة ليس المقصود منها الإبهار بل الإعتبار ، لا تأخذك إلى عوالم التشويق والإثارة بقدر رسالتها لتنير لك ظلاماً كثيراً ، وتكون لك من هولك مجيراً .

🚫ـ ورغم ذلك، فإنّ قليلًا لم يُعجبني في كثيرٍ:

ـ ومن ذلك خَطُّ العنوان، وغلافُ العمل، بعيدَيْن تمامًا عن أيِّ جذبٍ بصريٍّ أو سمعيٍّ، وهو أمرٌ سهلُ التدارك في الطبعات القادمة.

ـ كذلك هناك هفواتٌ بسيطة في التدقيق اللغوي؛ فنجد كلمة «ماما» في سردٍ فصيح، وكلمة «فشخها الزمن» في وصفٍ شحيح، ثم تصويرٌ لشخصية بارِج لم أرَهُ إلا في الدراما الهنديّة، بعيدًا تمامًا عن الواقعية.

👌ـ والحق أقول ، فهي روايةٌ تركت في قلوبنا كثيرًا من التساؤلات الفلسفية العبقرية، وعاشت في دواخلنا، وغاصت في أعماقنا، وتركت في نفوسنا أثرًا لا ينقطع، وأملًا لا يموت.

#أبجد

#عالمي_الهادئ

#اسماعيل_وهدان

#مراجعات_محمود_توغان

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق