1️⃣ الموضوع : قراءة نقدية
2️⃣ العمل : " فتيات الكروشية "
3️⃣ التصنيف : فلسفية ـ نفسية
4️⃣ الكاتبة : Gilane El-Shamsy
5️⃣ الصفحات : 136 Abjjad | أبجد
6️⃣ سنة النشر : 2025 م
7️⃣ الناشر : Dar El Shorouk - دار الشروق
8️⃣ التقييم : ⭐⭐⭐⭐
ـ على حافة الهاوية ، وجع يغزل ، وحزن ينزل ، وحكاية تذهل ، خيوط تبكي ، وأرواح تشكي ، ودموع تحكي ، فقدان له ألم ، حاد كالسيف ، رقيق كالطيف ، ينزل على وجوه ضاعت ، من قلوب باعت ، ويبقى الأثر في ذاكرة تفيض بالآهات ، يسمعها الأصم إن تصيح ، حكايات تمشي على أطراف الوجع ، مرتجفة ترجو الوصول أو قليلاً من سلام .
ـ في لحظاتٍ مُربِكةٍ ، ومع قصص شائكة ، تتجلّى فيها عبقريةُ الطرح مع جَزالةِ اللغة ، مع فلسفةِ المعنى ، مع قوةِ العبارة ، مع بُلوغِ الإشارة ؛ كتبت جيلان الشمسي مجموعتَها القصصية التي تُحلّق في سَماء الوجودية ، وتَرفرف بجناحيها كطائرٍ لا يجد عُشَّه ، ولما وجد أصابَه طَشَّه ، ثم تلاه رَشَّه ، فمَكَثَ وحيدًا فريدًا يُجابه الخذلان، الوحدة، الحاجة، القهر، التنمّر، التردّد، الخوف، الحب، الموت، وكثيراً …
ـ مجموعةٌ قصصية تجلّت فيها جُملةٌ من المعاني والأفكار والأساليب، فراقَتْني قراءتُها، وأعجبَتْني صياغتها ، نسيجٌ تَحِيكه جيلان الشمسي بخيطٍ من الفن وخيطٍ من الفِطنة ؛ حَبَكته كما تَحبِك الصانعاتُ فرائد الكروشيه: ظاهرُه بسيطٌ يُبهِر ، وباطنُه مُعقّدٌ يُسحِر .. مخطّطٌ محكوم، وسِحرٌ مرسوم، وبساطةٌ تُفضي إلى إتقانٍ يُشبه المعجزة ، حين تُستخرَج من السهلِ دقائقه.
ـ قصصُها أربعة عشر، تنبضُ بحدثٍ وحديث عن الفقد والوهم ، ينمو بفكرٍ وعقلٍ وفهم ، وشخصياتٍ يشدّها ماضيها شدَّ الخيط إلى الإبرة؛ ذاكرةٌ موغلة، ونفسٌ قلقة، ونقطةٌ فارقة تدور حولها الدلالة كما يدور الفَلَك حول قطبه .. وممّا جذب ناظري مجموعةٌ من القصص سأتناولها بقليلٍ من العرض، وهي كالتالي:
•في قصة فتيات الكروشيه:
ضربٌ من الخيال في واقعٍ مجنون ؛ لطفلٍ يَشتهي صَنعةَ الكروشيه ، تلك الخاصة بالنساء .. تُعلّمه الجنيّةُ مراقيها، وفتياتُ الكروشيه تليها، حتى يفيق على سرابِ وجودِهن جميعًا، لكن تبقى الخيوطُ التي جمعها.
•في قصة قاسم:
جسدُ طفلٍ بروحين: إحداهما مع أمه في منزلٍ وحيدٍ في عمارةٍ واحدةٍ تغشاهم الوحدة ويغلفهم الخوف، وروحٌ أخرى مع العديد من الأخوات والأمهات .. بيتٌ بسيطٌ تضربه الطائرات وتَدُقّه المدافع والدبابات .. أحلامٌ مفزعة وذكرياتٌ يقصُّها بروحه الأولى على أمه، حتى يكبر فيكفّ عن القص، ويبدأ الرسم.
•في قصة العودة من الحافة:
يجد عمرانُ نفسه يعود من الموت ، تستقبله الناس بالتهليل والتكبير والفرح والتباشير .. تحتضنه أمه، وتؤكّد صارخةً للجميع أنه قلبُها الذي حدّثها بأنه سيعود ..
ولكن لماذا يدعونه بالشيخ عمران؟
ولِمَن هذا الشاهد الذي يُكتب عليه اسمه؟
ولماذا يأتون إليه بأطفالهم ليرقيهم مما فيهم من أوجاع؟
صراعٌ دامٍ في قلبه وعقله ووجدانه، لم يجد معه بُدًّا إلا أن يفتح شاهد قبره الخالي من جسده، ثم يدخل فيه ويُغلقه على نفسه إلى الأبد.
•وفي قصة الفتاة ذات الشعر الأزرق:
تقوم الفكرة على إنقاذ الذات ؛ ببنيةٍ رمزية تُجسّد الصراع بين الداخل والخارج .. يُصوَّر الفندقُ كحالةٍ وجودية تتنقّل فيها الراويةُ عبر أزمنةٍ متعدّدة، يُمثّل كلُّ زمنٍ منها طبقاتٍ من الوعي والذاكرة .. أما الفتاةُ ذاتُ الشعر الأزرق فليستْ سوى مرآةٍ للنفس تتجلّى في لحظات التيه؛ تبدو قريبةً وبعيدة، واقعيةً وخياليةً في آنٍ واحد .. كما أن أجراسَ الإنذار واللوحاتِ المتعدّدة هي أنماطٌ من الحياة تصرخ الذاتُ من خلالها، محاولةً الوصولَ إلى شيءٍ من السلام أو قليلٍ من النجاة.
•في قصة حادث في السماء:
ترى الفتاةُ طيفَ حبيبٍ تخلّى عنها، فاندفعت خلفه بسيارة صديقتها حتى اصطدمتْ بعمودِ كهرباء .. ولم يُطفِئ الألمُ وَهمَ الرؤية؛ فعادت في اليوم التالي لتلحق بالخيال ذاته، وانتهى بها الأمرُ تسقط بسيارتها في فراغٍ لا يُفرّق بين الحقيقة والهذيان .. القصةُ تتحرك في فضاء الخيال العاطفي الهذياني؛ تعتمد على رؤية غامضة لحبيبٍ مُتخيَّل، ثم سلسلةٍ نحو الهلاك. فكرةٌ تحمل في جوهرها بُعدًا نفسيًا مهمًا: التلاشي بين الحقيقة والوهم، وانجرافُ البطلة خلف صورةٍ لا تثبت على أرض الواقع.
ـ ومن البساطة في فتيات الكروشيه إلى الترف واللهو والإسراف والفساد، مع الشخصية المثيرة للجدل قبيل الثورة الفرنسية ماري أنطوانيت … كانت رحلةُ جيلان الشمسي بين الحياة والموت، الحقيقة والسراب، الخيال والواقع، الوهم الذي اكتست به شخصياتٌ وأرواحٌ وأنفسٌ وأزمنةٌ وأمكنة، بلعبةِ تدويرٍ أحسنتْ صُنعها، وبخفةِ تدويرٍ أظهرتْ حسنَها، وبروعةِ تصويرٍ أكّدَتْ عمقَ خيالها.
ـ تلبّستِ الكاتبةُ عدةَ أرواح، ثم بلغة فلسفية ولمعانٍ عميقةٍ تتواءم فيه الفكرةُ مع العبرة، وتتراقص فيها السكرة مع النظرة .. ويتواصل فيه الألمُ بالأمل، والحلمُ بالعلم، والواقعُ بالخيال، الحقيقةٌ بالسراب، لغةٌ موجعةٌ مفجعةٌ مدمعةٌ ، مُبكية، مُفضية إلى الارتباك الداخلي الذي لا تصلُ من خلاله إلى حقيقةٍ أو سلام .. ثم تتجلى العبقريةُ في السرد الشائق، والحوار الضيّق
ـ ثم يأتي الثباتُ في الصوت السردي، كثيرًا يَشي بوجود شخصيةٍ بطوليةٍ واحدةٍ تعددتْ حيواتُها وحكاياتُها وأزمنتُها وأمكنتُها؛ يُخاطب العقلَ ويتمرّد عليه، ويستسلم للقدر ولا يتمرّد عليه ، ويُجادل المستحيلَ ويتغلب عليه، ويحيي الواقعَ ويعيش في الخيال، ويحلمُ بالأخير على فراش الكذب، ويتكلمُ بلسان الصمت، ويسمعُ بآذان مطموسة، ويرى بعيونٍ عمياء، يجري خلف أوهام.
•قرأتُ المجموعةَ القصصية واستمتعتُ بها أيَّما استمتاع، ورغم ذلك فإن العمل لم يخلُ من بعض الملاحظات الدقيقة التي أحب أن أنوّه عليها، ليس من باب التقليل، وإنما من باب إعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه.ومن هذه الملاحظات:
ـ أولاً: الغلاف والعنوان؛ فإن العنوان والغلاف — رغم جمالهما وروعتِهما — يفتقدان إلى الجاذبية السمعية والبصرية، وخاصةً للرجل .. مرّت المجموعة أمامي كثيرًا ولم أحاول حتى الالتفات إليها بسبب مسماها وغلافها.
ـ ثانيًا: بعضُ التعقيد والتدوير والتفلسف المقصود والذي يأتي فوق أغلب القصص ليس محبوبًا لدى جمهورٍ عريض من القرّاء، وإن كنتُ أحبّه فإني لا أفضّله.
ـ وأخيرًا: فإن العمل — كغيره — يفتقد إلى التدقيق التام في اللغة العربية وقواعد الإملاء والضبط ..
🤚..لكنها هَنّاتٌ وملاحظاتٌ ضئيلة أمام جودة تركيب العمل..فشكرًا جزيلًا بحجم السماء🙏
#أبجد
#جيلان_الشمسي
#فتيــات_الكروشــيه
#مراجعات_محمود_توغان

