* قراءات سابقة للكاتب *
( عهد دميانة ). حازت على المركز الأول في أفضل قراءاتي لعام ٢٠٢٤.
---------------
* نظرة على الغلاف *
يحمل الغلاف مشهد لورق البردي المهترىء بفعل الزمن الذي استخدمه ( شمعون ) لنقش سيرة الخروج والتيه لبني اسرائيل وله شخصياً.
غلاف مُعبر بشكل كبير عن طبيعة النص.
---------------
* المميزات / نقاط القوة *
- لغة ادبية ماتعة.
- اعادة صياغة للقصص الديني كما ورد في الكتب السماوية بشكل درامي جيد.
- ختام يفيض بالروحانيات والكثير من المشاعر الإيمانية.
-----
* العيوب / نقاط الضعف / الملاحظات *
- الرواية بشكل عام لا جديد فيها. الخطوط الرئيسية والعريضة وحتى الكثير من التفاصيل لقصة خروج بني اسرائيل مع النبي ( موسى ) معروفة سلفاً.
- اسلوب سردي يخلو من الدسم.
---------------
* فلسفة / رسالة الرواية *
اعادة تقديم قصة خروج بني اسرائيل من مصر مروراً بسنوات التيه في شكل سيرة روائية.
---------------
مراجعة الرواية:
في رأيي الشخصي فإن صياغة القصص الديني بشكل روائي لا يمكن معه تقديم الكثير من الخيال والابداع. الهامش الدرامي المتاح ضيق جداً ولا يسمح بالشطحات نظراً لأنها قصص جاءت مباشرة من عند الله سبحانه وتعالى في كتبه المقدسة حتى لو كانت مجرد خطوط عريضة ورئيسية.
ما بالك بقصة النبي ( موسى ) مع بني اسرائيل التي تعتبر أكثر قصة وردت في مواضع عديدة في القرآن الكريم وحملت الكثير من التفاصيل التي نعرفها جميعاً ؟.
هذا ما جعلني اتعامل مع ( أوراق شمعون المصري ) على انها اعادة سرد لقصص ديني اكثر من كونها رواية تاريخية. لن تجد هنا اشتباك مع التاريخ كما قد تجده في الروايات التاريخية الأخرى التي تقدم فترات مجهولة او مطموسة بشكل كبير في عمر البشرية - كحال عهد دميانة مثلاً - بما يحتمل معه اطلاق العنان للخيال والتحليق بعيداً ومحاولة تقديم رؤية مختلفة.
هي رواية تحمل من الروحانيات والإيمان اكثر مما تقدمه من دراما ادبية تشتبك مع عقل وخيال القارىء وتحثه على البحث واعادة التفكير.
هذا لا ينفي بالطبع انك لن تستمع بها لكن يظل هذا الاستمتاع داخل اطار محدد لا يحمل الكثير من التوقعات او المفاجأت.
* الفكرة / الحبكة *
ماذا يمكنني ان اقول ؟. لن تجد الكثير مما لا تعرفه مسبقاً خاصة لو كنت قارىء جيد للتاريخ.
عموماً هي رحلة الخروج والتيه لبني اسرائيل وصاحبتها رحلة مماثلة حاكها الكاتب من وحي خياله عن راوي للأحداث ( شمعون ) كان شاهداً على الرحلة الأساسية وبطلاً لرحلته الخاصة.
* السرد / البناء الدرامي *
انقسمت الرواية الى أربعة كتب تم توزيع الخطوط والأعمدة الرئيسية لقصة بني اسرائيل عليهم ويمكن عنونتهم كما فهمت كالتالي:
- الكتاب الأول ( سِفر الخروج). تدور جُل احداثه حول رحلة بني اسرائيل للخروج من مصر والهروب من فرعون ومعجزة النبي ( موسى ) بشق البحر. هو بمثابة صياغة درامية للقصة المعروفة كما وردت.
- الكتاب الثاني ( سِفر التيه - بني اسرائيل ). شمل الكتاب الثاني الجدال الدائم العقيم لبني اسرائيل مع النبي ( موسى ) حول مصيرهم المجهول في صحراء سيناء بعد الخروج والذي بسببه حكم عليهم الله بالتيه أربعين عاماً كعقاب شديد لطبعهم القبيح. كالمعتاد هو صياغة درامية لما هو معروف مسبقاً.
- الكتاب الثالث ( سِفر التيه - شمعون ). هنا قدم القادم تصور جميل لتيه من نوع أخر. رحلة الراوي ( شمعون ) للوصول وحده الى الأرض المقدسة التي وعدها الله لبني اسرائيل. رحلة طويلة نسجها الكاتب بشكل جيد عاش على اثرها ( شمعون ) حياة حافلة كانت نتيجتها ان وجد نفسه وفهم حقيقة الإيمان بالرب بالعقل والمنطق وليس بالجدال العقيم. اعجبني هذا الكتاب بشكل خاص.
- الكتاب الرابع ( سِفر الخلاص ). وصلنا لمرحلة المخاض والفرز. من تأدب وكف عن السفسطة النابعة من الأهواء الشخصية فقد فاز وربح. من أصر على جداله وركب هواه جرفه التيه الى نقطة اللاعودة وحق عليه عقاب الله الذي في ظاهره العذاب لكن باطنه هو كل الرحمة.
في رأيي الشخصي فعنصر السرد جاء تقليدياً بشكل كبير. غالباً السبب ان القصة نفسها لا تحتمل الكثير من الاضافات او الخيال المبالغ فيه فغالبية الاحداث معروفة سلفاً.
كما ذكرت هي مجرد صياغة درامية جيدة للقصص الديني ولا مجال لتوقعات ادبية كبيرة.
* الشخصيات *
الغالبية العظمى من الشخصيات حقيقية وليست وليدة الخيال الأدبي ، صاغها الكاتب في قالب درامي على لسان الراوي المُتخيل ( شمعون بن زخاري ) من أب عبراني وأم مصرية.
( شمعون ) يمكن القول انه جمع كل الأضداد بداخله. من ناحية اصابه التيه كبني قومه لكنه كان حريص على اعمال العقل والحُكم على الأمور بعقلانية وتجرد. هذا كان بمثابة الفنار الذي أضاء له صحراء تيهه الخاصة - من خلال الشيخ ( عابر ) - واستطاع ان يصل لبر الأمان رغم كل الصعاب والمعوقات التي شهدتها رحلته الطويلة.
يمكن اعتبار شخصية الشيخ ( عابر ) المُتخيلة هي الاخرى انها محاكاة لسيدنا ( الخضر ) بشكل ما. كان هو دليل ( شمعون ) وصاحب المشورة والرؤية الثاقبة كحال ( الخِضر ) مع اختلاف جوهري ورئيسي يتمثل في العلم اللدني الذي انزله الله على ( الخِضر ). اما ( عابر ) فعلمه كان مُحصلة حياة حافلة واجه فيها الكثير وخبرات حياتية اصقلته وشحذته حتى يصل لقدر كبير من الحكمة التي حرص لاحقاً على تلقينها لتلميذه ( شمعون ).
( عابر ) هو اسم على مسمى. كان عابراً في حياة الاخرين كقبس من نور وحكمة ينير بهم الطريق لأصحاب القلوب النقية التي لا بد وان تطالها الشوائب من هنا وهناك ، لكن تبقى النوايا هي الأصل التي عليها يُرزق البشر.
اما بخصوص شخوص الرواية كنبي الله موسى واخيه هارون ويوشع بن نون والخِضر فجاءت سيرتهم جميعها بنفس ما وردنا عنهم في الكتب السماوية والمراجع الدينية لاحقاً فلا مجال للعبث او اعمال الخيال معهم نظراً لقداستهم وخصوصيتهم الشديدة.
* اللغة / الحوار *
اتسمت اللغة بالكثير جداً من الأصالة والفصاحة اللغوية وأيضاً نتلمس من خلالها نفحات دينية متعددة كما وردت في النص القرآني.
لغة السرد تميزت باستخدام الاسماء القديمة لمختلف الأماكن والمفردات السائدة في تلك الفترة الزمنية القديمة ، مما أضاف الكثير من المتعة ورفع مستوى الحصيلة اللغوية والثقافية للقارىء. كعادته لم يشرح الكاتب المعنى المرادف وترك للقارىء مهمة البحث وان احتوى الكتاب على ملحق خاص يشرح فيه أماكن وقوع الاحداث بمسمياتها الحديثة في زمننا المعاصر.
لغة الحوار يغلب عليها الطابع الديني هي الأخرى خاصة من جانب الشخصيات التاريخية التي مثلت الغالبية العظمى لأبطال الرواية.
عموماً عنصر اللغة لا غبار عليه.
* النهاية *
نأتي لنهاية القصة مع أخر أوراق ( شمعون المصري ) الذي كان شاهداً على عصر الخروج والتيه له ولبني قومه.
نهاية تؤكد على ان ارض الله واسعة وكلها مقدسة طالماً عاش عليها من يؤمن بالرب قولاً وفعلاً ، اما هواة الجدال الذي لا طائل من وراءه سوى التسويف والمماطلة لعدم وجود رغبة حقيقية في الالتزام ولديهم سعي محموم ودائم خلف الهوى فمصيرهم التيه للأبد حتى لو احطاتهم بيوت الرب من جميع الجهات.

