اسم الرواية: سيادة_القاضي

تأليف: نور عبد المجيد

دار النشر: المصرية اللبنانية

عدد الصفحات: ٢٣٧ صفحة

سنة الإصدار: ٢٠٢٤

التقييم: ⭐⭐⭐⭐

⭐ رواية سيادة القاضي تناقش قضايا مجتمعية وأسرية شائكة للغاية، يأتي في مقدمتها قضية زنى المحارم، التي كثيرًا ما أحجم مؤلفون وأدباء عن الخوض فيها، إلا أن نور عبد المجيد - كعادتها - وبشجاعة تحسد عليها قررت اقتحام تلك المناطق المحظورة والدخول في دهاليزها، باحثةً عن أسباب المشكلة والحلول الناجعة لاجتثاثها من جذورها، وذلك من خلال تناول قصة واقعية من ملفات المحاكم المصرية، حول ارتكاب بطل الرواية وراويها الوحيد "رجائي صابر العطار" لجريمة قتل أفضت به إلى حبل المشنقة.

⭐ ليس هذا فحسب، لكن الرواية تلقي الضوء على بعض المشكلات التي لا تكاد أسرة مصرية تخلو منها، أهمها التفرقة بين الأبناء على أساس الحب والاهتمام والعاطفة وما يخلفه ذلك من رواسب نفسية عميقة بين الإخوة تظل دفينة في ردهات القلوب المظلمة. كذلك، نجد الرواية تتحدث عن نمط من الأمهات التي تتسم بالطيبة والاستبداد في آن معًا، فهي الأم التي ترفض رفضًا قاطعًا مناشدات الأبناء للانعتاق من تبعيتها والعيش بعيدًا عن عباءتها.

⭐ تغوص بنا نور عبد المجيد في أعماق أسرة مصرية تقطن أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة، حيث يملك الزوج صابر العطار والزوجة سيدة محلًا للعطارة، ولديهما من الأبناء اثنين، فاطمة حبيبة أبيها، المتمردة، الباحثة عن الهروب إلى الحرية والعيش في مستوى اجتماعي ومادي أفضل، وهو ما تحقق لها بالفعل بعد زواجها من سليل العائلة الأرستقراطية فؤاد وسفرها معه للاستقرار في ألمانيا. أما الابن الثاني، رجائي الذي يعيش حياته في صمت مطبق وكتمان شديد، على الرغم من الغضب الذي يعتمل في قلبه من كافة أفراد الأسرة لأسباب مختلفة.

⭐ شخصية رجائي هي أكثر أبطال الرواية ثراءً، وتعقيدًا، واضطرابًا نفسيًا، كيف لا وهو الأخ الصغير الذي كان يرى أبيه يهيم عشقًا في أخته بينما كان يحصل هو على فتات هذا الحب وبواقيه، وهو كذلك الشاب الذي يصب جام غضبه في صمت وكتمان على تصرفات أبيه وأمه وأخته، وهو أيضًا الزوج الذي يظل طيلة حياته بين المطرقة والسندان، مطرقة أمه المتسلطة التي تجبره على الانصياع لها ولقراراتها وإلا بات مطرودًا من البيت والعطارة، ومحرومًا من المال، وسندان زوجته وديدة التي تمارس ضغوطًا مستعرة عليه من أجل العيش بعيدًا عن عباءة أمه وأن ينالا حريتهما واستقلاليتهما. فهل يرضخ رجائي لضغوط زوجته؟ أم يمنعه خوفه من عصيان أمه وغضبها عليه من تنفيذ طلب زوجته؟

⭐ للوهلة الأولى تعتقد أن أجواء هذه الأسرة يغلفها الحب والود، لكن سرعان ما تدرك أن لغة التواصل والحوار بين الجيل القديم المتمثل في الأب والأم والجيل الجديد الذي يمثله الابن والابنة مقطوعة ومفقودة، لا سيما أن هناك قصة خفية على الأبناء سببت شرخًا عميقًا في جدار الأسرة يستحيل بناءه من جديد، وهو ما نجم عنه تكرار هذه القصة، لكن في أجيال أكثر حداثة.

⭐ من أقوى عناصر رواية سيادة القاضي السرد، الذي جاء عميقًا، مليئًا بالتأملات الإنسانية، والحوارات الداخلية الثرية، والصراعات النفسية الشديدة، والمشاعر المتباينة من حب، لخيانة، لندم، لخوف، لألم، لأمل.

⭐ المميز هنا أن نور عبد المجيد لم تضع يدها على المشكلة وأسبابها وجذورها فحسب، لكنها قدمت في النهاية الحل الذي ترى أن تنفيذه حماية ووقاية من سرطان زنى المحارم الذي ينهش جسد المجتمع ويفتك به. هذا الحل هو تدريس الثقافة الجنسية في المدارس، حتى يصير الأطفال أكثر وعيًا وإدراكًا وفهمًا لأجسادهم وطبيعتها ونموها من مرحلة لمرحلة.

⭐ لغة الرواية شاعرية، عذبة، جميلة، ليس هناك صعوبة في استيعابها، على الرغم من أنها مكتوبة بالعربية الفصحى، لكنها فصحى مقربة إلى القلب محببة إلى الروح.

⭐ النهاية، وإن جاءت بوتيرة سريعة بخلاف الوتيرة التي سارت بها الأحداث، إلا أنها نتيجة حتمية لغض الطرف وتغميض العينيين عن مرض خبيث أخذ يستشري في جسد تلك الأسرة جيلًا بعد جيل، دون مواجهته بشجاعة وجسارة وشفافية، ومن ثم كانت النهاية صادمة وقاسية.

⭐ ربما تكون هذه هي المرة الأولى التي أقرأ فيها رواية مكتوبة بطريقة تلفزيونية أو سينمائية، فكل صفحتين أو ثلاث عبارة عن مشهد من سيناريو لمسلسل تلفزيوني، ومن ثم فالرواية عبارة عن وحدة واحدة غير مجزأة إلى فصول، ولهذا بإمكانك قراءة الرواية والانتهاء منها في جلسة واحدة أو جلستين على الأكثر.

اقتباسات راقت لي:

⭐ كل العشاق يجيدون الكذب ويتقنونه ، وكيف لا والعشق ذاته أكبر أكذوبة صنعها الإنسان وأتقن صنعها حتى صدقها ؟!

⭐ بداخل كل إنسان قط وديع وأسد مفترس ليس له عليهما سلطان... فقط قلبك وشعورك بمن أمامك يُخرج أحدهما ويمنحه دور البطولة !! الحياة بأكملها وجوه ووعود وأدوار !!

⭐ متى تعلم أن قيمة ما منحك الله من نعم يتضاءل في عينيك ؟! حين تبدأ في مقارنة ما لديك بما منح للآخرين !!

⭐ إن جاء اليقين لانت الأقدار وتحقق المستحيل !!

⭐ انتظار الفراق أكثر إيلاما من الفراق نفسه.

⭐ عهود العين بلا صوت ودون كلمات.. الصمت دوما أبلغ وأصدق عهد يقطعه على نفسه الإنسان.

⭐ قاتل الله اليأس الذي يقتل فينا كل صوت، حتى صوت العقل والمنطق، ويجعلنا نُسلم أيامنا وأرواحنا إلى المجهول!!

⭐ حين تقف على حافة الأمور لا ترى سوى موضع قدمك، بينما إن وقفت في المنتصف رأيت من يقفون على الحواف، وأيضًا من هم إلى جوارك..

⭐ السعادة لحظات لا يجب أبدًا أن نفتش فيها، وإلا وجدنا شوائب تغتال روحها وتشوه ملامحها...

⭐ أيها القاضي : لماذا يُعاقب القانون على السرقات والقتل فقط ؟!

ليس هناك مادة واحدة فيه تُحرم أو تُجرم الجحود وكسر الخاطر ؟!

ليس في قانونكم مادة واحدة تعاقب على القسوة ونكران الجميل !! حنث العهد وخيانة الوعد !!

⭐ المشاعر الملتهبة تموت بسرعة أكبر من تلك الهادئة المنتظمة !!

⭐ حين نبصر بعد طول عمى.. حين نسمع بعد طول صمم .. أبدًا لا نكون كمن عاش العمر سميعا وبصير!!!

⭐ الكتمان يصبح أحيانًا أكبر جريمة ترتكبها في حق نفسك وروحك...

⭐ قاتل الله التعود.. نألف أوجاعنا وأخطاءنا وفراق من نحب.. نألف سخطنا عليهم ، وننبذهم حتى يصبح مجرد لقائهم صدفة ... شهقة تعجب ورفض !!