▪️أول تجربة لي مع قلم إحسان عبد القدوس، والحقيقة كانت تجربة ممتعة جدًا.. لو التقييم لأسلوب الكاتب وتعبيراته سيكون 5 نجوم بالتأكيد.
▪️الكتاب عبارة عن مجموعة قصصية قصيرة مكونة من ثلاث قصص. برع الكاتب من خلالها في تجسيد تناقضات الإنسان ،ما بين أفعاله ومبادئه ورغباته.. وهذة التيمة المفهومة من السياق العام للقصص هي ما أعجبني يمكن أكثر من القصص نفسها.
▪️القصة الأولى (النظّارة السوداء) :
أكثر قصة أعجبتني، رغم إنها تبدو "كليشيه"ويمكن متوقعة ،لكن طريقة كتابتها تجعلك تندمج وتنفعل معها وتستمتع بها.
شخصيتين يمثل كل منهما النقيض للآخر. فكرة القصة جميلة جدًا.. ماذا تمثل لنا المباديء ضرورة أم اكسسوار ؟
على لسان الشخصية الكاتب بيعرض فكرة إن أصحاب المباديء هم الفقراء فقط لأنهم ضعفاء وليس لديهم ما يخسرونه، أما الأغنياء فلديهم السُلطة و المال و ليسو بحاجة لمباديء فهُم يحصلون على ما يريدون في الحياة دون تكلّف عناء التمسك بواحد من تلك الأشياء التي تسمى مباديء.
▫️شخصية البطل.. المثالية (في رأيي كان مُدّعي) ، الثورية والحقوقية. شخصية ترى أنها أصلح من في مجتمعها الفاسد "المُتمصر" ،يرى نفسه الوحيد صاحب الأخلاق والمباديء ، الوحيد الذي لا ينافق ليحصل على أي شيء.. لكنه فقير. له مستقبل واعد ولكنه فقير. يقابل البطلة بمثاليته المتعالية فيُنصّب نفسه الحامي والمُصلح لها "لأنه أحبها من أول نظرة" أو لنقل أثارت فضوله وعصبيته للفساد الأخلاقي.
▫️أما البطلة فهي شخصية تعاطفت معها وكرهتها.. تعاطفت معها كطفلة لم يهتم بها أحد لا أهل ولا أصدقاء، لم يعلمها أحدهم ماذا تعني الأنثى وما الأخلاق أو حتى ما هي حدودها كامرأة.
تعاطفت معها كمراهقة تم تشويه حياتها وتجاربها وتحويلها لشيء أشبه بمسخ أو لعبة في أيدي الفضوليين.
وكرهتها لأنها لم تحاول أن تنتشل نفسها من هذا الوضع.. ولكن أعتقد الوسط كله كان فاسدًا فلم تجد فائدة من المحاولة.
مقابلتها للبطل عدت بمرحلة تحديه وتحدي أخلاقه ومثاليته ، ومرحلة نقاش بين المثالية التي يمثلها هو والمادية والتحرر التي تمثلها هي ، ثم مرحلة اكتشاف طريق جديد بالنسبة لها بمفاهيم جديدة. كان هو بالنسبة إليها المعلّم والحبيب.
▫️المرحلة النهائية في علاقتهم مؤسفة، لأنه "هو" تم اختبار مبادئه وأخلاقه وفشل في الاختبار وتنازل عن مثاليته وباع ثوريته في سبيل المركز المرموق والثراء والأوساط الألمعيّة. أما هي فتغيّرت حالها صارت أرق من الوردة، حافظت على حبها له ولكنه بشخصيته ومركزه الجديد لم تناسبه "هي" بماضيها وتجاربها السابقة.
❞ لقد كان كل منهما يقف في أحد طرفي الطريق، ثم التقيا في منتصفه ليسير كل منهما إلى الطرف الآخر من الطريق.
كان فقيرًا وكانت غنية، فأصبح غنيّا وأصبحت فقيرة أو تكاد.
وكان مثاليّا وكانت مادية، فأصبح ماديّا، وأصبحت مثالية.
وكان يؤمن بالروح وكانت تؤمن بالجسد، فأصبح يؤمن بالجسد وأصبحت تؤمن بالروح.وكان يعيش لمبادئه، وكانت تعيش بلا مبادئ، فأصبح يعيش بلا مبادئ، وأصبحت تعيش لمبادئها.. ❝
▪️القصة الثانية (راقصة في إجازة) :
هذة القصة لم تعجبني كثيرًا. ما أعجبني فيها ليست أحداثها وإنما فكرتها.. الإغواء والصراع بين الإنسان ورغباته.
شاب خجول يعجب براقصة و لا يود الوقوع في حبها ولكن الصُدف تجمعهم في إجازة في "كابري". تتأرجح علاقتهم ما بين "الصداقة" المزعومة، الإغواء ، الرغبات.
شخصية الرجل كانت مستفزّة، و المرأة كذلك.. (وبالبلدي الاتنين عايزين الحرق 😁).
❞ وكان يعتقد أن المرأة الجميلة تكتفي بالاتكال على جمالها فلا تحاول تربية شخصيتها ولا ذكائها ولا تحاول أن تحرك عواطفها، إنما تترك نفسها قطعة من الثلج الأبيض تذوب ولا تذيب، وتمتع عين الرجل ولا تمتع قلبه..
أما المرأة التي ينقصها الجمال الكامل أو التي لا تحس بجمالها، فإنها تستعيض عن هذا النقص بإشعال عواطفها وبالحنان الذي تسبغه على رجلها، وبالذكاء الرقيق الذي تعامله به، وبالليونة الناعمة التي تقنعه بها أنه سيدها.. وهو دائمًا يريد أن يكون السيد!❝ 😑
▪️القصة الثالثة ( سيدة صالون) :
قصة امرأة مكافحة (مش هانكر) بنَت إمبراطورية هي وزوجها وأقامتها من أنقاض ثلاث مرات في ثلاث بلاد مختلفة، واكتشفت أن القلب والحب والمشاعر لن يجنوا لها المال والثراء كما تريد، قررت الاستغناء عن قلبها والاستعانة بذكاءها ودهاءها لمُساعدة زوجها في الأعمال. ولكي تقدر على ذلك تقوم بإنشاء صالون تجمع فيه رجال الأعمال والسياسيين ومن يحتاجونه في تسهيلات عملهم.
( لحد هنا الامور تمام)
لكن في إحدى السهرات تقابل رجلًا ذا شخصية جذابة جدًا، يسيطر على الجميع بكلمة ويهاب الجميع كلمته. على الرغم من كونه كاتب (فقير بردو).. لكنها تعجب به وتحبه وتنساق وراء هذة النزوة وتترك الإمبراطورية تنهار.. حتى توضع أمام اختيارين حبها لذلك الرجل أو الحفاظ على ما جنَتْه (وطبعا زي أي بني آدم هاتبقى عايزة كل حاجة).
قصة لم أحبها الحقيقة لكن أعجبني موقف الكاتب. و كأن إحسان عبد القدوس أراد إنهاء المجموعة القصصية بأن يقول أن هناك من يحافظ على مبادئه رغم كل شيء في النهاية.
▪️خلصت الكتاب وأنا في بالي جملة سعيد صالح في مسرحية العيال كبرت (إحنا مش في عصر انفتاااااااح ولا إيييييييه) 😂😂😂😂
المهم يعني 😁 إن المجتمع كان منفتح جدًا فعلا وقتها تقريبا القصص دي في مصر الأربعينات.. رغم مظاهر الشياكة والأناقة والثقافة في الوسط ده، إلا إنه كان مجتمع مشوّه وفاسد أخلاقيًا يجري وراء المُتع فقط.
أسلوب إحسان عبد القدوس جميل جدًا وفيه شيء أنا مش عارفة أوصفه.. بس أنا رغم إني مش متفقة مع الشخصيات كلها تقريبا إلا إني كنت مستمتعة بالحوارات والجُمل اللي بتبين تفكير الشخصية ومخاوفها ومشاعرها وتناقضاتها. أسلوب سلس جدًا وله وزنُه في نفس الوقت.
كانت تستحق القراءة، وكانت أجمل بقراءتها مع نادي القراءة ♥️
والأكيد إنها مش هاتبقى آخر مرة أقرأ للكاتب.

