جريمة الابن الصالح > مراجعات رواية جريمة الابن الصالح > مراجعة Doaa Saad

جريمة الابن الصالح - جونج يو جونج, محمد نجيب
تحميل الكتاب

جريمة الابن الصالح

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4.3
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

جريمة الابن الصالح

للكاتبة الكورية: جونج يو جونج

ترجمة: محمد نجيب

الصادرة عن Al Arabi Publishing and Distributing العربي للنشر والتوزيع

368 صفحة

سنة 2022

تبدأ الرواية بمشهد يعلق في الذهن من أول سطر، شاب في الخامسة والعشرين من عمره يستيقظ فجأة ليجد نفسه مغطى بمادة لزجة، يظنها طينًا في البداية، لكن شيئًا في رائحة المكان، في صمت البيت، في غياب صدى صوت أمه المعتاد، يثير داخله قلقًا غامضًا.

يتجه إلى الخارج في حيرة، ليصطدم بمشهد د*موي يجمّد الد*م في العروق السلالم، الجدران، الردهة، جميعها ملوثة بالد*ماء.

شيئًا فشيئًا، يدرك أن ما يغطي جسده لم يكن طينًا... بل د*م.

تلك اللحظة تشكل الشرارة الأولى في حبكة الرواية، التي تنسجها الكاتبة جونج يو جونج بخيوط من الغموض والهلع النفسي.

البطل، الذي يعاني منذ طفولته من نوبات صرع حادة، يجد نفسه عالقًا بين الوعي واللاوعي، بين الذاكرة والفقد، بين الحقيقة والوهم.

فكل نوبة صرع تترك في عقله فراغًا مظلمًا لا يستطيع اختراقه، كأن الزمن يُقتطع من حياته دون إذن منه.

ومنذ سن التاسعة، صار يعتمد على دواء يمنع تلك النوبات، لكنه أيضًا يسلبه شيئًا أثمن حيويته.

يصبح كمن يعيش نصف حياة، ويفقد قدرته على ممارسة ما يحب، وأهمها السباحة، التي كانت ملاذه الوحيد من اضطرابه الداخلي.

لكن ما إن يتوقف أحيانًا عن تناول الدواء بحثًا عن لحظات من الحياة الحقيقية كما يراها حتى يدفع الثمن غاليًا، إذ يفقد السيطرة على نفسه، ويعود ليواجه فراغًا أسود في ذاكرته لا يعرف ما فعله خلاله.

وهنا تحديدًا يبدأ السؤال الجوهري الذي تبني عليه الكاتبة روايتها

هل يمكن أن نرتكب جريمة ونحن لا نعلم؟

هل يمكن أن يسكن داخلنا وحش لا نعرف بوجوده؟

حين يكتشف البطل مقت*ل أمه بتلك الطريقة الوحشية مشق*وقة العنق من الأذن إلى الأذن تبدأ الدوامة النفسية الكبرى.

لا توجد علامات سرقة، لا بصمات غريبة، لا دلائل على اقتحام.

كل الطرق تؤدي إليه، لكن ذاكرته تخونه، فلا يجد سوى الشك ينهش عقله هل قت*لتها حقًا؟

الكاتبة الكورية لا تقدم هنا مجرد جريمة غامضة، بل تغوص في أعمق أعماق النفس البشرية، في صراع العقل والاضطراب، في التلاعب بين الوعي والمرض، في سؤال الهوية حين تتفتت بين حقيقتين متناقضتين.

الرواية تشبه متاهة نفسية، كل باب فيها يفتح على باب أعمق، حتى نصل في النهاية إلى جوهر صادم أن الحقيقة التي نحاول إخفاءها عن المريض ليست لحمايته دائمًا، بل قد تكون الشرارة التي تصنع منه وحشًا دون أن ندري.

فـ “الابن الصالح” الذي تربى في كنف أم حنونة ومسيطرة، لم يكن يومًا كما اعتقدت امه.

الطفل الذي خافت أن يعرف أنه مريض، كبر وهو لا يدرك حجم الوحش الذي يسكن داخله.

ومن طفل في السادسة يثير الشفقة، إلى شاب في الخامسة والعشرين يثير الرعب، تتحول براءته إلى لعنة.

أسلوب جونج يو جونج يتميز بقدرتها على خلق توتر نفسي مستمر، يجعل القارئ يلهث وراء الإجابات حتى الصفحة الأخيرة.

لا تقدم الأحداث بع*نف فجّ، بل بعن*ف داخلي متصاعد، حيث الرعب الحقيقي ينبع من داخل الشخصية لا من الجري*مة نفسها.

أما الترجمة التي قدمها محمد نجيب فجاءت سلسة، دقيقة، ومخلصة لأجواء النص الأصلي، تنقل للقارئ العربي روح الأدب الكوري دون أن تفقده نكهته المحلية أو طابعه النفسي الفريد.

صحيح أن الكاتبة تسهب أحيانًا في وصف يوميات البطل أو أفكاره المتكررة، لكن ذلك لا يجعل الرواية مملة، بل يمنحها عمقًا إضافيًا، كأننا نعيش داخل ذهن هذا الشاب الممزق بين براءته وجر*مه، بين إنسانيته ومرضه.

في النهاية، جري*مة الابن الصالح ليست مجرد رواية عن جري*مة ق*تل، بل عن جري*مة تربية، عن ثمن الأسرار التي نخفيها باسم الحب، وعن هشاشة الخط الفاصل بين العاقل والمجنون.

إنها عمل نفسي عبقري، يجعلك تفكر بعد كل فصل

هل نولد طيبين فعلًا؟ أم أن الخير والشر فينا مجرد توازن مؤقت، ينتظر لحظة لينهار؟

رواية مشوقة حتى آخر صفحة، مليئة بالتحليل النفسي والدراما الإنسانية، أنصح بقراءتها بشدة لمحبي الأدب الكوري والقصص النفسية المعقدة التي تمزج بين الجريمة والإنسان في أعمق معانيه.

#ما_وراء_الغلاف_مع_DoaaSaad

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق