أيتام الجبال > مراجعات رواية أيتام الجبال > مراجعة Reem.younes88

أيتام الجبال - نجاة عبد الصمد
تحميل الكتاب

أيتام الجبال

تأليف (تأليف) 4.5
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

لم أستطع قراءة "أيتام الجبال" دفعة واحدة. كانت من الروايات التي تُقرأ على مراحل من التنفّس، التأمّل والبكاء، لأنّ السرد فيها يخطف الأنفاس، ويستدعي من القارئ أن يضع الكتاب جانبًا ليُشبع عطش روحه دموعًا قبل أن يعود.

بكيت وضحكت وحزنت، غضبت وتعاطفت ويأست.. كل هذه المشاعر حملتني وأنا أقرأ.

كنتُ أقرأ كمن يتسلّق جبل السويداء ليلتقي بأيتامه، ويسلّمهم أمانة: أمانة قراءة الرواية، أمانة الدموع التي سُكبت على حكاية كل كائن فيها، من البقرة صبحة إلى أول شجرة زيتون زرعت في بيت سبيل، إلى طريق درب الحجل، إلى الفرس البيضاء وليس آخرًا إلى "سبيل"، أخواتها ووالدها وجدّتها، وحتى تراب السويداء الذي لن تنفضه عن ثيابك بعد أن تنهي قراءة الرواية.

كل كائن في هذه الرواية هزّني. نسمة هواء صيف السويداء شممتها، شعرت بإيشارب "سبيل" الطفلة يلامس خدي، وبتنّورة أمّها الطويلة السوداء تدور حولي بقسوة دون أن تقترب مني.

ولدتُ في السويداء، وكنتُ أرى في مجتمع <الأجاويد> و <الجسمانيين> وجهين لمكوّن واحد.

لكن "أيتام الجبال" منحتني عدسة مختلفة لرؤية العلاقة بينهما، فأضاءت هشاشتها وعمقها في آنٍ معًا.

أدركتُ أن حاجة أحدهما إلى الآخر ليست ضعفًا، بل اكتمالًا إنسانيًا تتقوّى به الجماعة وتتعافى.

لقد جعل غياب الجسر بينهما الصمتَ مشتركًا، والمعاناة متبادلةً ومضاعفةً،

حتى غدا الطريق إلى خارج السويداء أطول وأشقّ.

وجاءت "أيتام الجبال" لتبني ذلك الجسر، لا بتقديم هوية ضيقة، بل بحكايةٍ إنسانيةٍ واسعة،

حكايةٍ تمتدّ من داخل السويداء إلى العالم.

في "أيتام الجبال" تم بناء الجسر الموعود، بين مجتمعين درزيين متوازيين في الجمال والبؤس، وجعلت من الحكاية الإنسانية لغة مشتركة يتجاوز بها القارئ الحدود الطائفية والاجتماعية إلى أفق إنساني.

لقد فهمت، مع كل صفحة، أن هذه الرواية ليست عن السويداء فقط، ليست عن الدروز وليست عن الأجاويد منهم فقط. بل عن الإنسان أينما كان، عن الخوف المشترك، والألم المشترك، وعن الفرح الذي لا يدوم إلا بقدر ما يلمع الدمع في عيوننا. عن الكدح كدين إنساني لا كسلوك. عن السعي كإدمان على حب الحياة.

حين أنهيت القراءة، مسحت آخر دمعة وردّدتُ:

"مباركٌ أنت أيها العقل الذي يبني"

لقد جعلتني هذه الرواية أرى أن الدموع، سواء كانت لامرأة درزية كما كانت بطلة الرواية، أو لامرأة من أي معتقد آخر، مالحة بالقدر نفسه.

لا فرق بيننا؛ يجمعنا هذا الملح الإنساني الذي يبقى على خدودنا حين ييبس الأسى عليها.

يجمعنا كل شيء ويفرّقنا جهلنا المشترك، جهلنا عن أنفسنا، عن ذواتنا، ثم جهلنا عن الآخرين.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق