عند انتهائي من قراءة الرواية، تركت الراحة لدموعي أن تنهمر بحرارة، هو ثمن تافه ندفعها قبالة الموت والجوع، قبالة آلة الحرب التي لا ترحم وتأكل من تصادفه أمامها، جروح عدة وأوجاع كجبل تحمله تفاصيل حياة أفراد لم يكن لهم ذنب سوى وجودهم في مثل هذه الحياة، وفي مثل هذا المكان والموقع، إنسانيات تسقط وتتدحرج أمام رغبات شيطانية تمتلئ بها هذه الوجوه الشرهة للمزيد من دعاوي الإعلاميات الكاذبة والبروبرغاندا الطافحة بالعهر. لا يمكن لأي شيء أن يصور مثل هذه الأوجاع مهما تسامت لغة الوصف والحوار إلا أن الروائية عائشة استطاعت أن تحفر الجرح وتعلقه على حبل السرد، جرح عارٍ وواضح وتنكأه بعدها بجرأة، حافرة فيها بأسلوب أدبي رفيع وخط سردي متماسك ، لم تفقد بناءه بالرغم، وهذا ما أظنه، أن هناك رغبة حادة بوصف هذا الدمار الإنساني بأكثر قدرة على مسك تلابيب الكلام ورصفها أمام مذبحة الشرح والتوضيح، إلا أن ذلك لم يكن إلا من خلال سرديات تقع ما بين الجاني، وهذا مركز القصة، وما بين المجني عليها التي حضر صوتها بشكل أعلى في نهاية الرواية تقريباً.
مثل هذه الرواية تذكرنا دائما بهشاشة ما يطلق عليه الحضارة والمجتمع الدولي والإنساني وخاصة أننا حالياً نعيش أمام أزمة تتجلى أمام أعيننا بشكل لا يمكن إلا رفض ما يحصل والتنكيل بمسببه، وهو ما يحدث حالياً في غزة بالتحديد، إلا أنه بالرغم من ذلك ما يزال الكلب ينهش في جسد الضحية، بينما الراعي يرفع صوته بالرفض، والكلاب لا يبعدها إلا الحصى والعصي وليس الصراخ.
