الطنطورية > مراجعات رواية الطنطورية > مراجعة Mohamed Ashraf

الطنطورية - رضوى عاشور
تحميل الكتاب

الطنطورية

تأليف (تأليف) 3.9
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

هل من جدوي للقراءة الآن ؟

كم أسعدني سماع تسميات مدن وقري فلسطين التاريخية مثل:

الطَّنْطُورَة، قِيسَاريَة، صَفُّورْيَة، عين غزال، بلد الشيخ ،

القسطل، صفد، اللِدْ ، يافا، الرملة، وحيفا…..

وكم ابتهجت بسماع الموروث الثقافي والشعبي مثل:

"ابن العم يِطَيَّح عن ظهر الفرس"

"شباط الخباط يشبط ويخبط وريحة الصيف فيه"

"عارف عمك ناجي يا ولد؟ ناجي العلي الرسام اللي من عين الحلوة"

ولكن سُرعان ما تبددت هذة السعادة تدريجياً بسماعِ مُصطلحات مثل:

سقطت عاصمةُ القضاء - حيفا

أو استشهدَ عبدُالقادر

مجزرة دير ياسين

محمد الحنيطي

عبدالقادر الحسيني

كيف تسقِطُ عكّا وهي عكّا؟

متى يأتي علينا الدور ؟

أينَ ذهب جيشُ الانقاذ؟ وما الذي اخرج الأهالي من دورهِم؟

……..يا الله…كم هي صادقة هذة الأسئلة! حتى وإن كانت تتكررُ اليومَ على مسَامعِنا مجدداً. شعرتُ بقلبي يتمزق مع صفحات الفصل الرابع بعنوان "كيف؟". فكم هي صادقة، ومُوجعة في نفس الوقت، حتى وإن جارَ عليها الزمان….كم شَعرت بالتخاذل في حق القضية الإنسانية الأولى على مرِ التاريخ؛ حقُ الإنسانَ في أرضهِ، وعرضهِ، وتراثَ أسلافهِ. الحق في السلام، الحق في غصنِ الزيتون. لا أنكِرُ أنني كنتُ سعيداً بِكْم الموروث الفلسطيني الذي نقلّتني فيه الرواية. كنتُ أرى نفسي بداخل الأحداثِ بحق، بل وأكاد أجْزِم أنني في بعضِ الأحيان أتوحدُ مع شخصياتِها، تُطاردني أوجاعهُم ومآسيهم، بل وقد ضاقَ صدري لِحزنهم. حتى واجهني السؤالُ الحق…السؤالُ الذي كنت أتقاعسُ عن طرحِه، هل أنا حقاً أُريد أن أُكمل هذة الرواية؟ هل أنا مستعد لمواجهةِ الحقيقة؟ مستعد للآلم؟ الخُذلانُ ربما؟ هل من جدوى للقراءة الآن….؟

دائماً ما كُنت أُقنعِ نفسي أنني مُدرِكٌ لحجمِ أوجاعهم ومعاناتهم، وأن ليَّ كلَ الحقِ أن أشاركهُم في الفرحِ قبل الآسى. كم كنت مغيباً بحق!!

ثُمَ عِدةٌ من فصولٍ أخرى، صرتُ أطمئنّ نفسي وابتهجُ حين انتقلوا إلي صيدا جنوب لبنان، وسُرعانَ ما تبددت هذة النشوة بداخلي، عندما اصطدمت بحقيقةِ ما يعانيه "اللاجئ" لإنتزاعِ أبسط حقوقهِ الإنسانية. سُرعان ما تسللت رائحةُ بحر الجنوب عن أنفي عندما شاهدتُ كمَ المعاناة، بِدءاً من بطاقة الهوية، والتصاريح الامنية اللازمة للزواج، والمخيمات، والزيارات، الخ…

ومن ثم….عِدةٌ من فصولٍ أخرى اشتعلت صيدا ومن بعدِها بيروت، ولكن في نفسِ الوقت تُذكّرنا "رقية" أن أبطالَ الروايةِ هُم في الواقع أشخاص…أشخاصٌ يشبهوننا…ليسوا خارقينَ كما تمنينا. بشرٌ حقيقيون، دمٌ ولحم. يبحثون دائماً عن الكمال ولكن بالضرورة أيضاً هم يخطئون، لديهم ما يكفي من التعقيدات و التشوهاتِ في حياتهم، وعلى النقيضِ أيضاً لديهم من الأمل ما يكفي لمطاردةِ أحلامِهم، وإن بدت قد فاتَ أوانُها.

في واقع الأمر، إنهم يحاولون، وهذا ما يُهم. يحاولونَ كما أحاولُ أنا استِدراك ما ينقصُني من السيرَ في ذكرى نكباهُم، قبل أن أدّعي مواكبةَ حاضِرهم. ومن ثم جاء الردُ على سؤالي الذي ظل يراودني في المقامِ الأول، وعلى لسان أحدِ أبطالِ الرواية قائلاً:

-وصلتني رسالتكِ. تقولينَ ما المنطق وما الفائدة؟ أقولُ إنني أردتُ أن يسمعَ الآخرون صوتكِ. صوتُ رُقَيَّة الطَّنْطورِيَّة."

لقد تملّكتني مشاعرُ القهر، والأمل، والحزن والسعادة كُلاً في آنٍ واحد. ولكن ما غلبَ على تلك المشاعرِ حقاً هو وصفُ حال الروايةِ على لسانِ مؤلفِها، حيثُ لا تفارقني أبداً كلمة سمعِتها في حوارٍ تليفزيوني ل"رضوى عاشور"، حيثُ صرحت: أن جميعَ أبطال الروايةِ هم من محضِ الخيال، ولكنْ الأحداث بالكامل هي حقيقة. ومن ثم أشارت بيدها لاحقاً، معلنةً هدفها أن تَضْفر هذا النسيج الروائي التاريخي، والذي وبلا أدنى شك هو شهادةٌ على أحداثٍ ربما لا تروى بهذا الترابط قط، ولكن مؤكدٌ أن أحداثها جميعاً قد عاشها أبطالٌ آخرون.

روايةٌ اختلطَ فيها الخيالُ بالواقع، حتى أنه بدى استحالة التفرقة بينهما. ولكن بلا شك، لم يكن مستحيلاً أن أتذوق كم الصدق والمعاناة بين سطورها. على مرِ ثمانيةٍ وخمسونَ فصلاً من الكتاب ومن بعدها الخرائط والإشارات والعبارات، لم أشعر للحظة بملل، أو بالحاجة لِتخطي أي تفصيلة حتى وإن كانت صغيرة. بصراحة، رواية تمنيتُ أن لا أنتهي أبداً من قراءة سطورها.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق