الاختباء في عجلة هامستر
عصام الزيات
320 صفحة
2025
دار دَوِّن للنشر والتوزيع Dawen Publishers
يبدأ بمشهد صادم لإعادة تمثيل جريمة قت.ل ارتكبها رجل في حق زوجته
وكأن الكاتب أراد أن يمسك القارئ من أول سطر ويضعه مباشرة أمام جذر المأساة، ثم يأخذه في رحلة ممتدة بين حياة أربعة أشخاص رئيسيين، إلى جانب شخصيات فرعية تظهر وتختفي، لكنها جميعًا مكتوبة بسلاسة وبحضور متوازن، بحيث لا تثقل النص ولا تجعله مشتتًا، بل تساهم في إثراء الحكاية.
وبرغم حجم الرواية الذي يتجاوز الثلاثمائة صفحة، إلا أن الأسلوب السردي المشوق يجعل القارئ ينهيها في جلستين على الأكثر.
الشخصيات الرئيسية التي يدور حولها العمل تبدأ بـ"عجايبي" الزوج القات.ل، و"إنجي" الزوجة المقت.ولة، إلى جانب دكتور "عمران" الذي أراه البطل الحقيقي للرواية، وزوجته "نسرين"، بينما يأتي باقي الأبطال كخطوط فرعية تلتقي جميعها في نقطة واحدة: عجلة الحياة التي يستحيل الفكاك منها ما لم يحدث التمرد.
الرواية لا تحكي فقط عن جري.مة قت.ل أو عن أقدار أبطالها، لكنها بالأساس مرآة لمجتمع مصري بسيط، ما زال يعيش أسرًا في أفكار متوارثة حول قيمة الولد الذي "يُشَرِفْ" العائلة، وحلم الكليات الكبرى الذي يتحول إلى كابوس حين يصطدم الشاب بواقع مغاير لكل التوقعات، فيرجع لأهله مثقلًا بالخيبة التي تُغفر فقط لأنه "الحِيلة".
ثم تأتي دورة أخرى من الأمل في الزواج والذرية، وهكذا تستمر دوامة التوقعات والخيبات حتى يقرر البعض أن لا مستقبل لهم في هذا البلد، فيفكرون في الهجرة، غير أن وباء كورونا جاء ليهدم ما بقي من أحلام، ويترك البطل عالقًا أمام حياته التى لم ولن تبنى الا على كذبة، كذبة تبداء صغيرة ثم تتضخم حتى تصبح هي الأساس الذي سيشيد عليه عمره كله.
وهنا يطرح الكاتب سؤالًا وجوديًا مرعبًا: ماذا لو كانت حياتك كلها قائمة على كذبة؟
انت بدأتها ولكنك لن تستطيع استكمالها ابداً.
أما دكتور عمران، فهو الوجه الآخر لهذه المأساة.
الابن الوحيد الذي رآه والداه تعويضًا عن حرمان طويل، فاختزلا كل حياتهما فيه، وحملاه عبء الصورة المثالية: الطبيب الناجح، الزوج الوسيم، رمز البركة والنعمة.
حتى زوجته نسرين كُتبت كأنها الجائزة المثالية، جمالها لا يبهت، حتى ان خفتت روحها، تمامًا مثل زجاجة عطر يزداد عبقها مع مرور الوقت.
ومع ذلك، لم يكن كل هذا كافيًا ليمنع عمران من السقوط في أزمة منتصف العمر، تلك اللحظة التي يشعر فيها الرجل الأربعيني أن الحياة تسير كعجلة هامستر، تدور وتدور دون توقف، فلا يجد خلاصًا سوى في التمرد وصناعة مغامرة.
مغامرة واحدة فقط كانت كفيلة بأن تفتح أبواب الماضي، وتجعل كل الأشباح القديمة تنهض لمطاردته من جديد، بل وتدفع بعض الأحياء للانضمام إلى هؤلاء الم.وتى لمطاردته بلا هوادة.
هنا ينجح الكاتب في أن يجعلنا ندرك أن المغامرة ليست دائمًا بحثًا عن حياة جديدة، بل قد تكون الشرارة التي تستدعي كل ما دفناه بأيدينا.
الرواية لم تقتصر على الجانب النفسي أو الاجتماعي للأبطال، بل فتحت مساحات واسعة لمناقشة قضايا عالقة في المجتمع المصري:
الأفكار التقليدية في تربية الأبناء، وما تحمله من ضغوط قد تدمر حياة جيل كامل.
أساليب الزواج الملتوية التي تُمارس على الفتيات وأسرهن لإجبارهن على القبول بزيجات لا تناسبهن.
الأخطاء المتكررة للبنات في بداية حياتهن بسبب قلة الخبرة وغياب الوعي، وكيف يمكن أن يقع البعض منهن في نفس الفخ أكثر من مرة.
الفساد المتفشي في بعض المؤسسات العامة، خاصة المستشفيات، حين توضع مصائر الناس تحت أيدي من لا يُؤتمن.
أسلوب الكاتب في أعماله يتسم بالانسيابية والقدرة على شد القارئ من بداية الرواية حتى نهايتها.
اللغة بسيطة لكنها مشحونة بطاقة درامية عالية، والحبكة محكمة البناء إلا اننى لم اقتنع أن الرجل بعشقه للسيط والشهرة يمكن أن يتنازل عنها ليعيش مغامرة قد تطيح بكل ما سعي ووصل إليه يوما (اقل الاحتمالات أن يضع بعض الحرص فى تلك المغامرة ).
ويتنقل بين الأزمنة والشخصيات بسلاسة تمنح النص روحًا سينمائية تجعل المشاهد وكأنها تنبض أمامك.
ولكن لابد ان تعلم أن هذه ليست مجرد رواية عن جري.مة أو عن أزمة منتصف العمر، بل عن مجتمع كامل يعيش داخل عجلة كبيرة، يركض فيها بلا توقف، ظانًا أنه يقترب من تحقيق أحلامه، بينما هو في الحقيقة يدور في مكانه، يحيا ويُربي ويهاجر ويعود ويكذب، لكنه لا يخرج أبدًا من العجلة وأن خرج يمكن أن يد.مر عوالم بهذا التمرد.
عمل جميل ومشوّق ومكتوب بوعي عميق، أنصح بقراءته ليس فقط للمتعة السردية، ولكن أيضًا للتفكير في تلك العجلة التي ربما نعيش بداخلها جميعًا دون أن ننتبه.
اقتباسات راقت لي
❞ أن وقوعَ الجري.مة يختلفُ عن إعادةِ تمثيلها. في الحادث الأصلي يكون وَعْيكَ متواريًا خلفَ شعورك بالغضب ورغبتك في الانتقام، يكون الحادثُ وليد لحظةِ غضبٍ واحدةٍ، لحظة انفجَر فيها بُركان التراكُمات في وجه شخصٍ سيئ الحظّ، تصادف وجوده في الوقت الخطأ ليدفَع روحَه ثمنًا لأخطاء الكَوْنِ، دون النظر هل ارتكب هو خطأً من الأصل، أو هل كان خطؤه يستحقُّ القتل. ❝
❞ العقل البشري حين يريد شيئًا فيفتح أبوابًا لم يعرف أحد أنها موجودة فيه، ويُجنّد كل الأدوات التي يمتلكها الإنسان، أو يخترع له أدوات جديدة، فقط لينال هدفه. ❝
❞ مشكلة التطلع للطبقات الأعلى. يمكن أن تستدين لشراء شقة أو سيارة.. لكنَّ الحياة في منطقة أغنى منك ستفتح عليك تطلعات لم تكن تفتقدها؛ لأنك لم تكن تعرفها. وستجعلنا نعاني مع أطفالنا ❝
❞ أنه يعاني القلق منذ عرف الحياة، وأنه ربما البشرية عمومًا لم تعرف طعم غياب القلق إلا حين كان الإنسان عدَمًا. وأنّه حتى آدم أبو البشرية لم يعش بلا قلقٍ إلا في ليلة الطين الأولى. حين كان بناءً أجوفَ قبل أن تدب فيه روح الحياة، أما بمجرد أن صار حيًّا فقد تعلّم القلق من الشجرة، ومن إبليس. ❝
❞ كأن الموت وأشباحه يسكنون أسفل جَفْنيه، بمجرد إغلاقهما يصبحون في مركز مجال إبصاره، ويجب عليه أن يشاهدهم مضطرًّا. ❝
❞ أن تكون استثمار والدَيك الوحيد يعني أن تشعر بالذنب دائمًا. ❝
❞ أن القاهرة لا تختفي، ستظل قاهرةً للزمن والبشر. لن يُعاقبها أحد على حُلمه الذي سحقته، ولا عن المرضى النفسيين الذين تمنحهم حق التحكُّم في مصائر الآلاف من الطلاب. ربما القاهرة هي التي تحوِّلهم إلى هذه المسوخ، لا أحَدَ يدخل القاهرة ❝
#أبجد
#الاختباء_في_عجلة_هامستر
#عصام_الزيات
#ما_وراء_الغلاف_مع_DoaaSaad

