هذه الرواية أوجعتني بقدر ما استفزتني. بدا لي ميلاد شخصية مشوشة. منقوصة. بل أحيانًا معدومة الرجولة بمعناها التقليدية. شعرت طوال الوقت أنّه غير قادر على أن يكون “رجلًا” بأي معنى. والسبب واضح. نشأته وسط خمس نساء. غياب الأب. وعمّ لم يهتم به. في النهاية استسلم لزينب. فأصبح “ست بيت شاطرة” بدلًا من أن يكون رجلًا بالمعايير التي يفرضها المجتمع.
❞ كنتُ أوجّه أصابع الاتّهام إلى الجميع: المادونّا وتعامله الوحشيّ معي وإرغامه إيّاي على أن أكون رجلًا، وإن كلّف الأمر حياتي، عمّي وعدم اهتمامه بي بعد وفاة أبي، وتركه إيّاي أتربّى بين خمسِ نساء، عمّ زينب الفنّان الداعر الذي تمكّن من تحويلها إلى كائنٍ لا يمكنه العيش وسط حيطانِ البلاد. اتّهمتُ الجميع إلّا نفسي. ❝
هنا يكشف ميلاد أنّ مشكلته الأساسية دائمًا عند الآخرين. يرى نفسه ضحية. ولا يواجه عجزه أمام المجتمع أو أمام نفسه.
❞ كنتُ بالفطرة منجذبًا نحو تقليم أظافر القبح حولي، قالت لي أخواتي إنّني عندما كنت صغيرًا، كانت غرفتي هي الوحيدة المرتّبة في البيت ❝
وهذا يوضح أنّ تكوينه الداخلي ميّال إلى الجمال والترتيب والرعاية. لكن المجتمع لا يرى في ذلك أي “رجولة”.
الرواية جريئة في ألفاظها وموضوعها. صادمة أحيانًا. وقد أثارت جدلًا واسعًا لحظة صدورها. لكنّها رغم ذلك حصلت على جائزة البوكر العربية سنة 2022.
رمزية الخبز واضحة باعتباره أساس العيش والبقاء. بينما الطاولة تشير إلى مكان الاجتماع العائلي الذي من المفترض أن يكون للحميمية. لكنه يتحوّل هنا إلى مساحة قهر وفرض أدوار.
ولأن السرد يتعمّق طويلًا في تفاصيل الخبيز اليومي وعملية إعداد الخبز. قد يشعر القارئ الذي لا يمتلك الصبر أو لا يحب هذه التفاصيل بالملل في أجزاء كثيرة. لكن هذه الرتابة جزء من الفكرة. فالخبز هنا ليس مجرد طعام. بل مرآة لحياة ميلاد نفسها: متكررة. خانقة. محكومة بإيقاع لا يختاره.
في النهاية تظل الرواية رحلة في معنى الرجولة المأزومة داخل مجتمع لا يسمح للفرد أن يعرّف نفسه بنفسه. هل ميلاد فاشل فعلًا. أم أنّ المجتمع هو الذي سمّم الصورة. السؤال يظل مفتوحًا. والإجابة ستبقى معلّقة داخل كل قارئ.