أفواه واسعة > مراجعات رواية أفواه واسعة > مراجعة نور الهدى سعودي

أفواه واسعة - محمد زفزاف
تحميل الكتاب

أفواه واسعة

تأليف (تأليف) 4.1
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

رواية أفواه واسعة لمحمد زفزاف نصّ يضج بالهامش ويحوّل اليومي إلى سؤال وجودي يلسع القارئ. في هذه الصفحات لا نجد بطولة ولا حكايات رومانسية مزوّقة، بل وجوه متعبة تتنفس ببطء بين الأزقة الضيقة والمقاهي الرخيصة، أجساد تجرها الحاجة، وأصوات تصرخ في الفراغ وكأنها تبحث عن معنى في عالم لا يقدّم سوى العدم.

العنوان نفسه يقودنا إلى قلب المأساة: الأفواه الواسعة ليست مجرّد استعارة عن الجوع المادي، بل عن ذلك الفراغ الذي لا يُسدّ، هوة لا نهائية بين الرغبة والقدرة، بين الحلم المقموع والواقع الفجّ. الفم المفتوح هنا يصبح صورة للإنسان حين يُختزل في غريزته، حين يبتلع العالم ليملأ هشاشته ولا يشبع. وكأن زفزاف أراد أن يقول إن البؤس لا يقاس فقط بما ينقص المعدة، بل بما يفتقده الوجود من معنى.

في أسلوبه المميّز، يكتب زفزاف بلغة بسيطة، لكنها مشحونة بعمق شعري يجعل من كأس شاي رديء أو يد متسخة أو شارع موحل إشارات على مأساة إنسانية واسعة. التفاصيل الصغيرة تنفتح على رمزية كبرى، فلا يعود القارئ يرى في الأحداث مجرّد يوميات للفقر، بل علامات على انكسار الإنسان في مواجهة قدره. إنّ هذا التحويل للتفاصيل إلى استعارات وجودية هو ما يمنح النص طابعه الفلسفي الخفي.

الشخصيات لا تقدَّم كأبطال، بل كظلال لأفواه جائعة. هي وجوه بلا ملامح صلبة، تعكس هشاشة الكائن حين يصبح أسير الحاجة. لكن قوتها الأدبية تكمن في أنها مألوفة: هي نحن أو جيراننا أو أولئك الذين نصادفهم في الأزقة. زفزاف لا يكتب عن كائنات استثنائية، بل عن إنسان عادي محطّم، وكأن عظمة النص تنبع من إصراره على أن البطولة الحقيقية ليست في الملاحم، بل في فضح العادي بكل قسوته.

هكذا تتجاوز أفواه واسعة حدود الرواية الاجتماعية المباشرة، لتصير نصًّا فلسفيًا مكتوبًا من الداخل. إنها رواية تكشف أن الأدب لا يزيّن الواقع، بل يجرّده من أقنعته، يقدّمه عاريًا بلا رتوش. قراءة هذا العمل لا تمنح عزاءً ولا وعودًا، بل توقظ القارئ على قسوة سؤال: كيف يعيش المرء حين تختزل الحياة في صراع من أجل الخبز؟ وهل يمكن للإنسان، حتى وهو غارق في الفاقة، أن يبحث عن معنى يتجاوز الجوع؟

بهذا، يرسّخ زفزاف مكانته كأحد أكثر الأصوات صدقًا وجرأة في الأدب المغربي، كاتب يكتب من قلب الواقع لا من برجه العاجي، فيحوّل البؤس إلى سؤال فلسفي، والهامش إلى مركز. أفواه واسعة ليست رواية تُقرأ وتُطوى، بل تجربة تصاحب القارئ، تترك فيه أثرًا كالندبة، وتجبره على مواجهة هشاشته الخاصة، كأن النص مرآة لا ترح

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق