فوق رأسي سحابة > مراجعات رواية فوق رأسي سحابة > مراجعة Nasser Ellakany

فوق رأسي سحابة - دعاء إبراهيم
تحميل الكتاب

فوق رأسي سحابة

تأليف (تأليف) 3.5
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

في روايتها الفارقة "فوق رأسي سحابة" استدعت الكاتبة المبدعة "دعاء إبراهيم" قصة البشرية وقسوتها وغضبها منذ نشأتها، واستعرضت آلامها المشتعلة وأحلامها المجهضة منذ أكل آدم من تلك التفاحة فانفتحت نافذة الحياة على الأرض، وانفتحت معها كل أبواب الشرور.

رواية تحلق بنا لنشهد معاناة البشر وشرورهم، وتهوي بنا لتوقظ كل هواجسنا التي ظننا أنها تحت سيطرتنا، وتجبرنا على الإذعان والتسليم بالحقائق التي نخفيها، وتجعلنا نقابل كل الشياطين، ونتنكر لكل الملائكة.

قد تبدو الرواية دراما نفسية، ولكنها في الحقيقة أطروحة فلسفية خالصة، عن الوجود والماهية، عن المعنى الذي يحتاجه الوجود الهش عندما يتحقق، ذلك المعنى الذي قد يأتي وقد لا يأتي، لكن عندما يغيب المعنى سيحضر العبث، ومن بعده العدم، ربما توجد فوق رؤوسنا جميعًا سحابة، سنضطر لأن نسأل أنفسنا، من منا الآثمون ومن الأبرياء؟ وربما لن يجرؤ أحدٌ على الإجابة.

أبحرنا مع نهى الممرضة في رحلتها الداخلية، الوحدة والضياع والخال اللعين، شهدنا عندما قررت أن تلعب دور الإله، وعندما كان الغراب ينعق برسائله المقيتة،

سمعنا صوت اقتراب الموت "لاب داب لاب داب"، ورأينا ما حدث للأم وحارس البوابة والشيطان الصغير ومريض حجرة ٣ العجوز والمريض رقم ١ المُقعَد، ونزيل حجرة ٧، ثم الأب، خاطبت نهى الطبيعة والطيور والهواء والأرض والسماء، لم يرد عليها أحد، كان الغضب الصاخب يَملؤها واللعنة الصامتة تُطوِّقها، وروحها تنزف ألمًا ودمًا.

بحَثَت عن طريق النجاة فلم تجده، حتى بعد الرحيل إلى اليابان، كانت تجْتَر كل الذكريات اللعينة، تعلكها في فمها، وتبصقها على الأرض، غادرت الماضي لكن الماضي لم يغادرها، تتوجع مع كل نفس تلفظه، يخرج مشبعًا بالمرارة التي تصبغ الكون من حولها، ظل صوت الماضي يطارد الفصول الأخيرة للرواية، يستولى عليها، كما استولى على فصولها الأولى، وكان ذلك الماضي معها طوال الوقت، في النوم أو اليقظة، في الشارع أو من وراء الحائط وأسفل السرير.

بدأت فصول الرواية بالفصل صفر وانتهت بالفصل صفر، ربما لنعلم أن كل الشرور ما زالت في مكانها، وأن أصفار العدم تملأ جنبات الحياة، وبين الصفرين كان هناك اثني عشر فصلًا، تنساب من خلال أجزاء الرواية، موت أول، ثم ميلاد، ثم حياة أخيرة، وماذا هناك غير ذلك؟

حتى عندما قابلَت تومودا ورجل الحديقة ياسو وآخرين بحكاياتهم المربكة، لم تكن هناك فرصة لإسباغ المعنى، تساءلنا هل يوجد في الحياة حقًا وجود يكسوه المعنى، وجود يكتمل في سلام.

في لقائها مع قابيل، كان كل شيء بينهما يشي بوجه الحقيقة، الثقة والتردد، الإصرار والإشفاق، الرضا والإثم، لست أدري هل كان هناك أي نوع من ندم، ربما لا، ربما أدركا أن هذا العبث الذي يملأ الدنيا لا يصح معه إلا عبث أكبر، رغبا بالاغتسال سويًا في البحيرة، بعيدًا عن البشر وعن الجحيم، حين أدركا أن البشر هم الجحيم.

❞ لم أتصور يومًا أن أحب العوم، أن أدخل البحر بإرادتي. ذبنا أنا وهو كنقطتين في أرض واسعة بلا بشر. بلا جحيم! ❝

منحتنا الرواية بعدًا فلسفيًا جديدًا لرؤية قابيل،

❞ قبل أن أقتل أخي، رأيت سبعَين يقتتلان حتى قتل أحدهما الآخر. اتبع القطيع القاتل وتركوا المقتول للنسور والغربان، صار القاتل ملكًا وزعيمًا وتزوج أنثى جميلة. لكن العجيب أنني حين قتلته، فاز هو بكل شيء. صار ضحية، ما أجمل أن تكون ضحية! ❝

❞ آدم الذي أكل التفاحة بعد أن أغرته لذتها ❝

هل كانت لذة التفاحة تستحق كل ما حدث، خطيئة تلو خطيئة، الخطيئة الأولى كانت آدم والتفاحة، والخطيئة الثانية كانت قابيل والغراب، بعدها تتابعت الخطايا بلا توقف، ربما كانت الخطيئة الأولى لها ما يبررها، البحث عن الخلود أو البحث عن المعرفة، أما الخطيئة الثانية وكل الخطايا التي تلتها، فكانت محض نوازع، محض ضياع في مسالك النفوس، ومحض تيه في دروب الحياة.

هذه رواية إمرأة قابيل التي ظنت أن إثمه كان ثقيلًا، فاكتشفت أنه لم يكن سوى أول آثام البشر، لم يكن أعظمها، كان فقط من حكت عنه الكتب المقدسة، لم تحك تلك الكتب عن خالها وبقية المذنبين.

مضت الرواية، وكنا نرى كيف كان الوجود عبث، والحياة ألم، والتنفس عبء، والانتحار حلم، والموت أمنية،

❞ شعرت أنني مذنبة، لكن هذه المرة لم أفكر في يوم القيامة، أيقنت أن اللـه تركني، وأن عليَّ أن أكمل وحدي. ❝

استخدمت دعاء إبراهيم لغة أدبية قاسية وجارفة، مفعمة بالأسى والغضب أحيانًا، وبالسخرية والعبث أحيانًا، وبالألم والبوح أحيانًا، لكنها كانت دائمًا لغة تخترق كل دفاعات القارئ وتقتحم أعماقه وتكشف أسرار اللاشعور الجمعي المتخفي لبني البشر، والنوازع النفسية المستترة وراء أقنعة الحياة التي يرتدونها.

كما تلاعبت بالسرد عندما كان صوت نهى المسيطر ينطلق من غياهب الوعي، وكان مستوى ذلك الوعي يتماوج ويترنح، يروح ويجيء، ويذوب فيه الزمن فيتداخل الحاضر مع الماضي في إبداع مثير.

تنتهي الرواية، ونجد أنفسنا نلوِّح بأيادينا فوق رؤوسنا، لربما نستطيع أن نبدد سحابتنا، ولربما نرى شمسنا المضيئة، إن كانت سوف تشرق يومًا.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق