مراجعة كتاب
إيراث
تأليف: أدهم العبّودي
صادر عن: دار سما للنشر والتوزيع
النوع: فانتازيا / فلسفي
عنوان جانبي: رحم الطين
الإصدار: 2025
عدد الصفحات: 406 صفحة (أبجد).
اللغة: فصحى سردًا وحوارًا.
عن الكاتب: أدهم العبودي، محامٍ وروائي مصري، تخرج في كلية الحقوق بجامعة أسيوط عام 2003، ويشغل منصب مقرر لجنة القصة باتحاد كتاب مصر، من أبرز أعماله: «جلباب النبي» (مجموعة قصصية)، «باب العبد»، «متاهة الأولياء»، «خطايا الآلهة»، «الخاتن»، «حارس العشق الإلهي»، «بينما نموت»، «ما لم تروه ريحانة»، و«رواه الترمذي»، وغيرها. نال عدة جوائز أدبية مرموقة، منها: جائزة إحسان عبد القدوس في القصة القصيرة عام 2011، جائزة الشارقة للإبداع العربي في الرواية عام 2012، جائزة دبي الثقافية عام 2015، جائزة لجنة الشباب باتحاد كتاب مصر في القصة القصيرة عام 2016، وجائزة بهاء طاهر في الرواية. وتُرجمت أعماله إلى عدة لغات، منها: الفرنسية، والألمانية، والإنجليزية، والفارسية، والهندية، والكردية.
〔قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا〕
◾️فكرة الرواية:
تدور فكرة الرواية حول استخدام الكاتب تقنية ماذا لو؟
ماذا لو تم إعادة صياغة بدء الخلق بطريقة خيالية غرائبية متضمنة معاني كلمات الله في آياته:
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ) ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) ، (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) ، (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) ، ( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ) ، ( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)، ( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ، وغيرها من الآيات التي تضمنتها فكرة الرواية.
◾️الحبكة:
خلق لنا الكاتب عالمًا جديدًا من الأساطير، في زمن تحكم فيه الآلهة بطقوسها الغرائبية المعقدة، قبل أن تُعرف القرى والحدود واللغات، زمن لم تكن فيه امرأة ولا رحم، في زمن كان الكون فيه كيانًا ذكرًا صرفًا جنس الآلهة الأحب سواء كانوا بشرًا أو أشباه آلهة، زمن فيه الطبيعة لا ترسو ولا تستقر، تتمرد، تتغازل تبعًا لما يستحدث عليها، زمن فيه الأرض بكرًا لم تدنس، لا نبض فيها، لم تفسد بعد، عاش قوم كانت الإشارة لغتهم في أوقات الجدال والمساءلة.
نقلنا الكاتب من التكوين الأول من رحم الطين، ببطله المبعوث (إيراث) المختار بعناية من الآلهة، من وُهب القدرة على استدعاء ما لم يستدع من قبل، من بذوره لقح رحم الطين فاستجاب الرحم وأخرج المرأة الأولي (أولا)، ثم نقلنا إلى بدء التكوين من اجتماع (إيراث وأولا) لتخرج لنا سبعة أبناء هم الحراس الصامتون لمفاتيح الأسرار السبعة متجسدين لقوى العالم العظمى (الزمن – الضوء – الظلال – المعرفة – الطبيعة – النفس – الروح). ثم نقلنا إلي الجزء الأهم وهو رحلة الألف عام للأبناء السبعة، حيث تصاعدت الأحداث وتناقلت الأدوار من سفر الطوفان إلى سفر العمى إلى سفر الملك إلى سفر الحكاية إلى سفر الملاك إلى سفر التوحيد إلى سفر العودة.
في رحلته تنقل الكاتب بنا ما بين وادي الأرواح المنسية إلى بحر الأحلام الضائعة إلى بحيرة الأنفاس.
◾️الشخصيات:
شخصياته رئيسية مثل "إيراث" (أول الخلق)، و"أولا " (أم الخلق)، والأبناء السبع وهم (قلب الماء، روح السلام، صوت السماء، الزارع، حامل الأسرار، الرائي، عين الحكمة)، و"إيراكان" أول رسام، و"إيلا"، و"بحر"، وبعض المخلوقات الأسطورية الخيالية الثانوية التي تظهر وتختفي وفقًا لمسار الأحداث مثل (زلحاف، أم الظلال، المارد، سيد النهر، وحش الغابة، ذي القرنين، السيرافا، السبَّاحين الأزليين، الكظماء، الرمليون، راكب الدياجير، النوراسيون، الحجرانيين، الأخيلة، كاراسما، وغيرهم...)، أسماء أراها مناسبة لنوع الفانتازيا.
◾️السرد:
استخدم الكاتب تقنية تعدد الرواة فمزج بين الراوي العليم والراوي المتكلم، ليحكي لنا بأسلوب أدبي بلغة قوية عالمه الخيالي. بقلم ذكوري تحدث الكاتب عن الأنثى كما لم تتحدث أنثى عنها من قبل.
الحوارات قليلة بالنسبة لحجم الكتاب كان من الممكن الاستفادة منها في التقليل من رتابة السرد.
على الرغم من استخدامه لكلمات معبرة عن الخيال مثل ( الصخور المجنحة، السيف الذهبي، الطائر المجنح، أشجار تنمو تحت الماء، أجنحة مائية، سمك في جلد بشر) إلا أنه لم ينجح في جعل الأحداث والمخلوقات الأسطورية تعلق بذهني.
◾️الوصف والتشبيه:
وصف وتشبيه أكثر من رائع حيث تنوعت الجمل الوصفية والتشبيهات، يمكن للكتَّاب المبتدئين أن يجعلوه مصدر للتشبيهات والمحسنات البديعية، إلا أنه زاد في بعض الفقرات السردية. وأعجبني منها:
- صرختُ، ولكن صوتي كان هامسًا كقطرة تسقط في محيط بلا قاع.
- ضحكت، ضحكة أشبه بموجة رقيقة تلامس شاطئًا خجولًا.
- كأنه إعجاز في جوهره، جلدها بلون الضوء، شعرها يتراقص كأن الريح نسجته، وعيناها ليستا كأعينهم، بل كان فيهما عمق مخيف، ساحر نعم، آسر، لكنه مخيف، كبئر عميقة تسحب الناظر إليها، كبئر رقدت أسرارهم فيها.
- لم تكن هي تعرف أيضًا، لم تكن تفهم، لكن قلبها كان يخفق، وكانت تحس، وكانت يداها تمتدان، تلمسانه، تتحسسانه، كما يتحسس الأعمى طريقه في الظلام، وكان هو أيضًا يمد يده، يضعها على يدها، فيحس بحرارتها فيحس بأن شيئًا ما يتغير.
◾️العنوان والغلاف:
عنوان مناسب معبر عن بطل العمل، والغلاف يصور لقاء إيراث وزلحاف في معركة الاصطدام العظيم.
الصراعات:
تثير الرواية كثير من الصراعات البشرية منذ بدء الخلق عن:
- الفكرة الأولى لكل شيء ( مستودع النسل – الشهوة – الولادة – الرضاعة – النذر).
- سر الخلق والفناء، النور والظلمة، الفتنة والهداية، الحقيقة والأسطورة، الغواية والندم.
◾️اقتباسات:
- وأدركوا إنما الأنثى ليست لهم متاعًا فحسب، لكنها سفينة من دخلها بغير هدى تاه في لجج الضياع.
- تقابلا كالموج والريح، فكانت السماء من فوقهما تتزلزل، والأرض من تحتهما ترتجف، والنيران تتطاير شظايا من الاصطدام العظيم.
- هكذا كان اللقاء الأول بين المرأة والرجال الصم، لقاء بين لغة تولد، وصمت قديم يأبى أن يندثر، بين جسد يتكلم بلا صوت، وأرواح تتكلم بلا جسد.
- إن القلب إذا ذاق الحكمة لم يعد يطيق العيش في العمى.
- الآباء لا يرحلون، لكنك لن تجدني في الرمل تحت قدميك، بل في كل ما حولك، ابحث عني في الريح، وفي الماء، وفي النجوم، هناك، سأكون، تحرك يا "قلب الماء" تحرك فيما حولك، لا تدفن حزنك في الشط وتُبقي عليه.
◾️الخاتمة:
حاول الأبناء السبعة أن يتجمعوا مرة أخرى بعد تفرقهم على يد أبيهم إيراث ورحلتهم إلى عوالم مختلفة ومعاركهم مع مخلوقات أسطورية والتي أدركوا معها أن الكون مليء بالأسرار ، ولكن تبينوا أن هناك قصة لم تغلق بعد، وأن بابًا جديدًا قد فتح ودخلوا فيه ليدركوا أسرارًا أخرى للكون.
◾️الرأي:
رواية أسطورية تجذب الجيل الجديد، بلغة تجذب الجيل القديم من القراء، حيث أن الكاتب لديه حصيلة لغوية عظيمة، لكنه أساء استخدامها هنا، حيث اختار نوع أدبي غير مناسب لإبراز فكرته، فلا هي وصلت كرواية فلسفية كما تُعبر لغته، أو جعلني أعيش الأحداث الخيالية التي بنيت الرواية على أساسها.
كتاب غير مناسب لجميع الأعمار، وتقييمي له 5/4.2.
إلى الملتقى في مراجعة أخرى
د.محمد الشخيبي
#مسابقة_ريفيوهات_إيراث