إيراث : رحم الطين > مراجعات رواية إيراث : رحم الطين > مراجعة Mahmoud Toghan

إيراث : رحم الطين - أدهم العبودي
تحميل الكتاب

إيراث : رحم الطين

تأليف (تأليف) 3.8
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

« من رحم الطين إلى عين اليقين »

قراءة في رواية "إيراث ـ رحم الطين"

للكاتب / أدهم العبودي عن دار سما للنشر والتوزيع

▪️حين يغوص الخيال في بحر الجنون:

ـ تجد من الأمر عجبًا، ومن الحكاية طربًا ، تشرب من قاعه فتظمأ، وتأكل من سكانه فتجوع، وتسبح هائماً نحو النجاة ، فتراك في عمق المياه؛ لا العقل يُسعفك، ولا المنطق ينصفك ، ولا القلب يعرفك، ولا الشاطئ يأتيك، بل الأهوال تصطفيك، فتجاور روحك أهوال الملكوت ، يستوي عندك الضوضاء والسكوت، والعِزّة والخفوت ، الوهم والثبوت ، الجهل والعلم ، الحرب والسلم ، الغضب والحلم .

ـ تصنع من جوهر العدم حكاية الأعلام، وتتشابك خيوط النور بالإظلام ، وتتعانق أسرار الكينونة بالفناء ، ويستوى في ذاتك المنع والعطاء .. هناك في عوالم الجنون، لا سلطان لزمان، ولا قيد لمكان، فالأكوان طوع بنانك، والأحداث تنقاد لبيانك، تصوغ منها أسطورة لا عربية ولا أعجمية، بل أبهى وأقوى قديمة معاصرة ، أعتى من التاريخ وأسبق من الذاكرة .. ترفع جبالًا من خيال، وتبسط بحارًا من محال، وتُسكن الرياح أرواحًا، وتزرع في صمت الفضاء نواحاً.

▪️ الفانتازيا العربية من التكوين إلى اليقين:

ـ يُعَدّ أدب الفانتازيا والخيال ـ بالنسبة لي ـ هو الأصعب؛ فهو على الطرفين شاقّ ومتعب، فالكاتب يعصر خياله ليلج إلى فكر جديد، وطرح فريد، لم يسبقه إليه قلم، ولم يدخله عَلم ، والحق أن الأدب العربي في لونه الفانتازي آخذٌ في التطور، بل والتحرر من قيود فرضتها الطبيعة والدين والسياسة والجماعة.

ـ يكمن تحديه في قدرة الكاتب على خلق عوالم جديدة لا تخرج عن إطار المنطق والقيم، محافظًا على روح الجذب والتشويق والإثارة. ويلجأ الكبار إلى دسّ رمزيات معيّنة لها أبعاد دينية أو سياسية أو علمية أو فلسفية أو ثورية، لكنها عميقة، لا تصل إلا إلى قلب ماهر وفكر أنيق.

ـ وعلى الناحية الأخرى، يقف القارئ يستبصر ويتروّى، ويدقق ويحقق في الجديد والمفيد، والأفكار والأسرار، ويبحث بين طيّات العمل عمّا يرضي وجدانه، ويطلق عنانه إلى حيث الرضا.

ـ ناقِمًا على كل ذلك، جاء العبودي بروايته الأحدث «إيراث»، والتي كتبها بنفس منطق وقوة وفكرة عمله الأسبق «صلاة الأجنّة».. رحم الطين يقلب الطاولة على سابقيه، ويصعّب الأمر على لاحقيه، برواية تتقاطع مع العقل، وتتعارض مع النقل؛ خيالها غريب، وغريبها جنون، وجنونها جحيم، وجحيمها شرار لا تُدركه الأبصار. بلا زمان، بلا مكان، بلا أركان، بلا أوتاد، ليصنع الأمجاد من حفرة رآها يومًا، فبنى عليها عالمًا من أعجب ما يكون، بعيدًا عن الدين، عن المنطق، عن الثوابت، عن الحقائق، عن الدقائق؛ ينصت فقط لوعي جامح يُملي عليه وهو يكتب، مستمعًا ومستمتعًا ومضطرًّا، يأخذنا في رحلة مجنونة إلى هناك... حيث لا هناك هناك..!!

▪️بين الوعي والإدراك ، جحيم لا يطاق :

ـ حين داعب الآلهة في سماواتهم طفلهم الأثير، أفلت من بين أيديهم، وسقط إلى الأرض سقوط الملوك، فارتجّت له الجبال والبحار، وانشق التراب عن حفرة عظيمة، تحوّلت مع الزمن إلى رحم الطين، ومنه كان النبت الأول للإنسان.

كان ذلك جوابًا على سؤال مجنون:

ماذا لو كانت بداية الخلق من رحم الأرض، لا من رحم المرأة؟ … هكذا نسج العبودي عالمه، فابتدع أسطورة لا تشبهها أسطورة؛ لا عربية ولا أعجمية، أسطورة تقف شاهدًا على بدء التكوين...ومحاولة للوصول إلى اليقين .

ـ ومن قلب رحم الطين خرج "إيراث"، الرجل الكامل في أرضٍ لا يعرف أهلها إلا النقصان؛ رجال التحمت بطونهم بأرجلهم، أحدبوا الخلق، عاجزين عن النطق، لا يعرفون سوى لغة القرابين التي يرفعونها للآلهة، رجاء لقوتٍ أو خلقاً لكهنوت، وهم يطوفون في جنون حول الرحم الأرضي، ينتظرون مولودًا يشبههم.

ـ لكن "إيراث" كان مختلفًا، فملأهم رهبة وإجلالًا، وجعلوه سيدهم إجمالاً .. ولم يزل سيدًا حتى انبثق من رحم الأرض وجهٌ آخر للنور: "أولا"، المرأة الأولى، نبية مُلهمة، أوحي إليها من السماء، فعلّمت البشر لغة الكلام، وشرعة التعايش، وأسرار الزواج، وفرّقت بين الحق الذي يبني، والباطل الذي يفني.

ـ بيد أن النور ، ما تركه الظلام يسير ، فحيثما وُجد الأول، تَبِعه الآخير .. وانطلقت ملحمة لا تسعها الأرض، أتعبت بوصفها الشرح والسرد ، شهدتها السماوات والأراضين، وارتجفت لها البحار والأنهار، وشاركت فيها الأحجار والأشجار، وراقبتها الأقمار والنجوم ، فأخرجت الأسرار والشهود، لكل الناس والأجناس في همود.

ـ ولما تزاوج إيراث وملكته ، أنجبت "أولا" سبعة من الذكور، كان كلٌّ منهم يحمل سرًّا من أسرار الوجود: قلب الماء، وروح وه السلام، وصوت السماء، والزارع، والراء، وحامل الأسرار، وعين الحكمة..‏❞ الزَّمَنِ، الضَّوْءِ، الظِّلَالِ، المَعْرِفَةِ، الطَّبِيعَةِ، النَّفْسِ، وَالرُّوحِ. ❝

ـ وفي معركة أسطورية ضد ملك الظلال زلحاف، خرج النور منتصرًا، لكن إيراث وأولى أدركا أن قوة أبنائهما لن تكتمل إلا إن تفرّقوا في الأرض، ليواجه كلٌّ منهم قدره .. فتبدّدت خطاهم في الجهات السبع، وواجه كل واحد منهم جيوشًا من الأهوال، أهوالًا لا تصفها الأقوال، ولا تدركها الأجيال…عبر متاهات وأسفار ، وأعماق وأسرار .. سفرالطوفان ـ سفر العمى ـ سفر الملك ـ سفر الحكاية ـ سفرالملاك ـ سفر التوحيد ـ سفر العودة … فهل عادوا ، وكيف ، ومتى ، وأين ….؟

▪️بين الفانتازيا والواقعية ، شعرة أو أدق كثيراً:

ـ هنا لا رابط بينهما بتاتًا؛ فلا مكان للواقعية، ولا للمنطق، ولا للعقل، ولا للزمان، ولا للمكان، وإنما يتحدث الوعي، ويسرد الجنون متقلدًا أسلحة شتى يداعب بها التاريخ بالتفخيخ، ويراقص التأويل بالتهويل ، ليضيف الإثارة ويصنع الغموض، ليجبرك سحراً على الإكمال والصمود.

ـ لم يبنِ العبودي حبكته بتسلسل أو تقديم لهذا العالم العجائبي، بل أسقطك فيه إسقاطًا، مراهِنًا على وعي القارئ في أن يفهم، ويعقل، ويفكر، ويحاول أن يصل إلى الحقيقة، ليسأل نفسه: ماذا كنا قبل أن نكون بشرًا؟ ماذا لو كان الخلق الأولي هكذا؟ ماذا لو كانت قوة المورِّث هكذا؟ ماذا... وماذا... وماذا...ثم ترك العقل ليجيب أويغيب ، يصيب مرة ومرات يخيب

▪️بين النقص والكمال ، حين تتم الأنثى معنى الرجال:

ـ فالرجل الأكمل بُنيانًا، والأكثر أمانًا، رمزُ الحِكمة والسيادة، ونبعُ العَظمة والرِّيادة، لا يستغني يومًا عن أُنثاه، فهي منتهى كماله، ورقّةُ جماله، ورهبةُ جلاله .. في الرخاء له مدد، وفي الشِّدَّة له سند، في الكَرب ملجأه، وفي الكوارث مَخبأه، لها يسكن، وبها المودّة، ومنها الرحمة .. هكذا كان آدم مع حوّاء، والنبي مع خديجة، وفاطمة مع عليّ، وكل امرأة مع ذي فَهمٍ جَلِيّ.

ـ كان وجودها في الرواية مُبهِرًا، له أُسُسٌ نفسية وتربوية وتقنية واجتماعية، نَبِيَّة من السماء، ومعلِّمة بالحِكمة والضياء، مُربِّية للرجال، وملهمة للأبطال، سيّدة أرجائها، ورحمة أبنائها، رحمٌ للحياة، وأرض للمياه ، جوهرٌ للوجود، ورمزٌ للصمود..جمالها جلال، وجلالها اكتمال، وكمالها نقصٌ يُكمِله الرجال.

▪️اللُّغَةُ سلاحٌ ذو حدَّيْن، حَمَلَ النَّقيضِينَ:

ـ لا أقول إنَّ اللُّغَةَ عنصرٌ ثانويٌّ في هذا العمل، وإنَّما هي أبرَزُ أبطالِ الكاتب؛ فهي ركنٌ قائمٌ بذاتِه.. لأنَّ الحديثَ عن هذه الأسطورة، وإمكانيَّة تصوير هذه الأهوال، وإمكانيَّة التعبير عن الوعي، وإمكانيَّة دَسِّ العمق الفلسفي، وإمكانيَّة إخفاء الرمزيَّة فوق سطحيَّة العبارات، يحتاج إلى لُغَةٍ ثقيلةٍ جدًّا، لُغَةٍ تُشبه الحدث، تتماشى مع الفكرة، تتماهى مع الشخصيَّات، تتفاعل مع الأحداث، وتتوافق مع الأبطال.

ـ لُغَةٌ تنقل إليك حقيقةَ ما قبل التكوين، ما قبل اللُّغَة أصلاً. فأيُّ كلامٍ عن جَزَالَةِ المبنَى، وشُمُولِيَّةِ المعنى، ودقَّةِ العبارة، وروعةِ الإشارة، وسلامةِ البنيان، وسلاسةِ البيان — في شأنها — قليل. ورغم ذلك، فهي بهذا تُدهِشُ مَن فَهِمَ المُراد، وفَكَّ الرموز، وأخذ المعنى من المبنَى، وفهم العبارة من الإشارة. وعلى النقيض، فهي مُتعِبةٌ مُرهِقةٌ لجمهورٍ واسعٍ من القرَّاء.

ـ ومع ذلك فإنَّه يظهر جليًّا أنه تمَّ الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في تشكيل الحروف، وهو أمرٌ مشروعٌ في اختصار الوقت واغتنام الجهد .. لكن غير المشروع، وغير المقبول، ألَّا تتمَّ المراجعة بعد ذلك من قِبَل فنيين متخصصين؛ إذ إنَّ الذكاء الاصطناعي في التشكيل أتى بنقيض المقصود تمامًا مثال:

ـ ❞ يَحْكُمُه كائناتٌ سَماويُّونَ❝

ـ ❞ وَأَجْزَاءً ظَلَّتْ فِي الْعَوَالِمِ الَّتِي نفيوا إِلَيْهَا ❝

ـ ❞ أأَدْخَلْتَ إلى أرضِنا ما لم نعرفُ وما لم نألفُ؟ ❝

ـ ❞ الآلِهَةُ القَدِيمَةُ، أولئك الذين نُسُيوا مع وِلادَةِ أولا ❝

من ناحية أخرى وجدت بعض الكلمات التي لم تتناسب مع هذه اللُّغَة القوية من قريبٍ ولا بعيد ، مثال ذلك:

•أعصابُه سابَت

•ســــابَت أطرافُـها

•كَبَـسَ عليــــه النــومُ

•بَرْبَشَتْ بعد أن تفتَّحتْ عيناها

▪️شَفَراتٌ خَفِيَّة تَعكِسُها الرَّمزِيَّةُ وتُخفِيها الحِكاية:

ـ للرمز هنا النصيب الأكبر ، عن الحَقِّ والبَاطِل، والخَوفِ والأمَل، والرَّهبةِ والحُبّ، والكَرهِ والسَّكينة، والأسطورةِ والحَقيقة، والوَهمِ والواقِع، والقُوَّةِ والسَّلام، والمَوتِ والخُشوع، جاءت في قالَبٍ فانتازيٍّ ساحِرٍ لِمَن يُحِبّ، شَديدِ الوَطأةِ، سَيِّئةٍ جِدًّا لِمَن لا يُحِبّ .. رمزية تُفهَمُ ولا تُقرَأ، تُذاكَرُ ولا تُمرُّ مُرورَ الكِرام، يَراها البَعضُ قِمَّة، ويَراها الآخَرُ حَرام.

ـ تعانقتا واللغة هُنا فكانتا أعظم مَواطنِ الرِّواية، وأشدَّها جَمالًا، وأكثرَها كَمالًا، وهي ما جَعَلَني أُكمِلُ الرِّوايةَ أسيرًا، وأنتَهيَ منها حَسيرًا .. شاعريَّةٌ قَويَّةٌ بِأنماطٍ عَتِيَّةٍ ومعانٍ خَفِيَّة، جَذلةٌ، صَلبةٌ، لِكاتبٍ تلاعَبَ بالألفاظِ والعباراتِ والمَعاني، تلاعُبَ المُتقِنِ البارِع، فَخرجَت مِن هذا الجَنبِ على أفضَلِ صورةٍ مُمكِنة؛ مَعزوفةٌ موسيقيَّةٌ تطربُ مِنها الآذان، ويَفرُّ مَعَها الجَنان، بَلاغةٌ وبَديعٌ وبَيان، تَمزُجُ بَينَ الواقِعيَّةِ والفَلسفةِ والشِّعريَّةِ والرُّوحانيَّةِ والفانتازيا.

▪️تَمَرُّدُ الأُسطورَةِ على الحَبكةِ الميسورة:

ـ ليست كَرِوايةٍ عاديَّة؛ حَبكتُها غَريبةٌ قواهما الإيهام لتُداعِبُ الأفهام، وتَتراقَصُ مَعَ العُقول، وتَتَناغَمُ مَعَ المَجهول، تَعصِفُ بالذِّهنِ عَصفًا، وتَنسِفُ اللُّبَّ نَسفًا. تَحتاجُ إلى عَقلٍ مُتَفرِّغٍ لَها، مُغرَمٍ بِها، مُدقِّقٍ فيها، مُتفاعِلٍ مَعَها، باحِثٍ عن فَحواها، مُنقِّبٍ عن مَعناها، يَستعذِبُ مَبناها ليَصِلَ لمُقتضاها، يَغوصُ في أعماقِها، ويَجولُ في أفلاكِها، ويُفكِّكُ شَفراتِها، ويَفهَمُ حِواراتِها، ويَصِلُ إلى إشاراتِها.

ـ فالحِكايةُ أُسطورة، والنَّاسُ مَسطورة، والرِّجالُ ألوان، والنِّساءُ أركان، والرَّمزِيَّةُ عَتِيَّة، واللُّغةُ شَجِيَّة، والحَياةُ قائمة، والأرواحُ هائمة، والتَّكوينُ حَدَث، والحروب دائرة ، والفَناءُ قادِم، والرِّحلةُ سَتنتهي، والبَقاءُ ليسَ لِلخلق، وهذا هو الحَقّ

..ورغم ذلك أدهشني وجود نص كامل في إيراث صـ 150 فصل بدء التكوين عن الحديث عن الزارع..❞ وَقَفَ أمَامَ شَجَرَةٍ عَتِيقَةِ وسَطِ القَرْيَةِ، نَظَرَ إلِيهَا طَويِلاً، ثُمَّ قَالَ بِصَوْتٍ لَمْ يشْبِهُ صَوْتَ الأطْفَالِ: ❝

‏كما هو بالضبط في صلاة الأجنة صـ28 وليد المعجزة..❞ وقفَ أمام شجرة عتيقة وسط القرية، نظر إليها طويلًا، ثمَّ قال بصوتٍ لمْ يشبه صوت الأطفال:❝

▪️المرجعيَّة العُليا والسَّببيَّة والفَن:

ـ أقرَّت الأسطورةُ بأنَّ المرجعيَّةَ دائمًا إلى السَّماء، فمهما بَلَغَت القوَّة، ومهما تمكَّن الإنسانُ منها، ومهما تحكَّم فيها، فإنَّه لا يتمُّ المقصودُ إلَّا باللجوء إلى المعبود، بغضِّ النَّظر عن جَمعه لإنفراد الربوبية ، ووحدة الألوهية، فكلُّ جَمعٍ في حَقِّه إفراد، فنحن مع الواحدِ أنا..هكذا لغةً ويفهمها الأنا .

ـ كذلك فإنَّ الرواية أوجبت السَّببيَّة، فَرغم ما ذُكِر عنهم من قوَّةٍ خارقة، فالسماءُ رهن الإشارة، والأرضُ لهم سيارة، والجبالُ تأتمرُ بأمرِهم، والبحارُ تسيرُ وفقَ هواهم، والرِّياحُ تفعَلُ مُبتغاهم، إلَّا أنَّهم لَمَّا كانوا يَخرجون للصَّيدِ والبَحثِ عن المَتاع، كانوا يُعِدُّون عدَّتهم، ويأخذون حاجتَهم.

ـ أما الفن فقد لعب لَعِبتَه في الرِّواية من خلال شخصية "إيراكان"، أوَّل رسَّامٍ في الوجود، في دلالةٍ على أنَّ الخلودَ ليس للبشر، وإنَّما لما نُقِش — ولو على الحَجَر..وفيها أيضاً رمزية صوفية .. كما النجباء والنقباء والأبدال والأوتاد ، القطب والغوث رجال الغيب حراس البلاد .

▪️دلالة الأسماء والشخصيَّات ومعاني الوجود:

ـ في إيراث، ليس ثَمَّةَ مجالٌ للصُّدفة؛ فكلُّ اسمٍ له دلالة، وكلُّ شخصيَّةٍ لها إحالة، وكلُّ معنى وجوديٍّ له عُمقٌ نفسيٌّ أو فلسفيّ، على سبيل المثال: "إيراث" المورِّث، "أُولا"، أي المرأة الأولى التي علَّمت الوجود..حتى أسماء الأولاد السَّبعة ورحلاتهم وأسفارهم وملاحمهم وقُدراتهم، كلُّ ذلك جاء مُحمَّلًا بالمعاني العميقة.

ـ لكنَّ المؤلِّف ترك الأمر مُبهَمًا لكلِّ قارئ: كيف يُصوِّره له عقلُه، وكيف يأخذُه قلبُه، وكيف يصلُ به يقينُه، وكيف يغوصُ في أعماق الحكاية .. لكلِّ فهمٍ، ولكلِّ معنى، ولكلِّ أدواتٍ منها يَستنبط، وعليها يَعتَمِد، وبها يُفكِّر، ثمَّ إمَّا أن يَصل، أو أن يَضِلّ..كتابًا مفتوحًا على احتمالاتٍ شتّى، ومرايا لا تعكس صورةً واحدة، بل صورًا متداخلة تتبدّل مع زوايا النظر وعمق الغوص ..

ـ عمل يختبر قارئه كما يختبر الحلمُ صاحبه: يقدّم له مفاتيح ولا يبوح بالأبواب، ويمنحه الشفرات دون أن يشرح الرموز .. من يقرأها بعين العقل يجد فيها فلسفة، ومن يقرأها بعين القلب يلمح فيها أسطورة، ومن يقرأها بعين الروح يدرك أنّ الحكاية، مهما امتدّت، تعود إلى السماء، وأن الخلود ليس إلا نقشًا على حجر الذاكرة..في عمق الفضاء .

‏#أبجد

‏#أدهم_العبودي

‏#إيراث_رحم_الطين

‏#مراجعات_محمود_توغان

Facebook Twitter Link .
2 يوافقون
اضف تعليق