رواية بيت من زخرف ـــــ عشيقة ابن رشد

للكاتب إبراهيم فرغلي

دار الشروق للنشر والتوزيع

عنوان الرواية، عنوان رمزي، ويقصد به بيت من ذهب، والمقصود به هنا هو البيت الذي قضى به ابن رشد سنوات النفي، وهو عنوان إنساني قبل أن يكون تاريخيا أو فلسفيا.

- تتناول الرواية قصة أكاديمي مصري هو أستاذ الفلسفة سعد الدين إسكندر الذي ترك بلاده ويعيش في إسبانيا، بسبب سطوة المتطرفين وسعيهم للتفرقة بينه وبين زوجته مستغلين ما يسمى "دعاوى الحسبة". وفي قرطبة يلتقي إحدى تلميذاته؛ وهي طالبة دكتوراه تدرس فلسفة الفن، وتبدي اهتماماً خاصاً بالفيلسوف والفقيه الأندلسي ابن رشد، حتى إنها تخبره بوجود "خبيئة" تتمثل في مخطوطة نادرة تحكي عن محنة الفيلسوف الأندلسي حين تعرّض للنفي والاستهداف بسبب أفكاره، وكيف أن تلك المخطوطة مدفونة داخل مقبرة، واستخراجها يعد بمثابة مغامرة جريئة تتطلب كثيراً من الشجاعة.

- وتنقسم إلى ستة أقسام تحمل العناوين الآتية، الخبيئة وأفيرويس وكتاب مانويلا ولبنى القرطبية وكتاب إسكندر، ثم يأتي القسم السادس بلا عنوان لكنه مروي من خلال "ماريا إيلينا".

- وأدى هذا التقسيم إلى تعدد الأصوات الساردة ما بين ماريا وإسكندر ولبنى القرطبية والراوي الخارجي العليم، صانعاً بذلك ما سماه باختين "البوليفونية".

- وجاءت لغة العمل شديدة الشاعرية، سلسلة تتنوع وفقاً لفضاء الحقبة الزمنية، حيث اتسمت بالبساطة والطابع العصري في الزمن الحالي، بينما مالت إلى الجزالة والبلاغة واللغة التراثية في الزمن الماضي، بينما جاءت بدايات ونهايات الفصول مشوّقة.

- استخدم الكاتب الأساليب السردية المتنوعة مما أضفى نوعا من التشويق وسرعة الإيقاع على السرد كما أنها أعطت الرواية طابعا مغايرا عن الروايات التاريخية مثل:

1. الأحلام التي قد تتحول أحياناً إلى كوابيس كما في رؤيا لبنى القرطبية.

2. الخيال الفانتازي كما في رؤية إسكندر لتلك المرأة الغجرية التي رأى عينها تجحظ وتقع أمامها وتركض مثل كرة. رؤية ابن أبي الوليد ابن رشد لكتب أبيه " التي غدت غرانيق محلقة في السماء مؤثرة أن تغدو حرة مثل أفكار صاحبها"

- نجح الكاتب في رسم ملامح الشخصيات بنعومة فائقة تجعلك تراها حية أمامك، بل وتتعاطف معها إنسانيا على اختلاف تركيباته ودوافعها ومواقفها.

- التنقل بين الأزمنة كان مميزا، وعدم تهميش الزمن المعاصر لعب دورا قويا في بنية الرواية.

الملاحظات:

قد يشعر القارئ بالتيه والبعد عن القصة الأساسية في الرواية وذلك لوجود أكثر من حكاية داخل النص “نص داخل النص".

1. حيث يغوص الراوي داخل المخطوطة، ثم يعود إلى الواقع.

2. وجود عدد من القصص والسرديات والأصوات الأخرى قديماً وحديثاً، مثل قصة " لبنى القرطبي" التي هامت حبّاً بابن رشد ورافقته في منفاه.

3. وجود فصولا مثل «طبول الحرب»، و«المشاء»، و«مانويلا»، والتي كان من الممكن أن يجري الاستغناء عن كثير منها دون أن يفقد جوهر النص شيئاً مهماً كان يمكن تكثيفها بشكل مختصر في بعض أجزائها.

يمكن تنصيف الرواية بأنها سيرة متخيلة لابن رشد ذات خلفية تاريخية، وهو لا يعود لاستعادة فترة تاريخية فحسب، بل من أجل إسقاط هذا التاريخ على الواقع الراهن

كما أنه من الممكن أيضاً وصفها بأنها رواية معرفية من خلال طرحها لقضايا من قبيل العقل والنقل، والعقل المفارق والعقل الفاعل، أو لنقل العقل الموجود بالقوة الذي يشترك فيه ملايين البشر، والعقل الموجود بالفعل الذي يمتاز به بعض ممن يعملون عقولهم في تأويل النصوص الدينية لفض التعارض الظاهري بين النص والعقل، والتقريب بين الحكمة (الفلسفة) والشريعة، مما رفضه فقهاء النقل حين تعاملوا فحسب مع ظاهر النص، وتوقفوا أمام دلالاته السطحية المباشرة.

قراءه ممتعة للمهتمين بالخيال التاريخي والعمق الفلسفي والفكر الحر.