حدوتة كتاب
يأجوج ومأجوج ولقاء ذي القرنين: رؤية نقدية جديدة تكشف الأسرار الغامضة في القصة
إذا كان لديك الشغف بالقصص الغامضة التي تجعلك تبحث وتقوم بإعمال عقلك و تحرك الطفل الذي بداخلك ليقوم بالبحث ومحاولة الإجابة عن التساؤلات المحيرة حتى وإن كانت من جانب ديني، فإن كتاب "يأجوج ومأجوج و لقاء مع ذي القرنين " للكاتب أسامة الشاذلي سيكون خيارا مثاليا لك إذا كنت تبحث عن كتاب من هذا النوع.
يقدم هذا الكتاب تجربة مختلفة في السرد، حيث يسعى المؤلف في كل فصل لكشف ذلك الغموض عبر أدلة وبراهين متنوعة تجعلك تتعمق أكثر في القصة، بعيدًا عن الخيال المفرط و مشاعر الرعب المنتشرة في تناول هذه القصة.
غموض قصة يأجوج ومأجوج
ينطلق الكاتب من منهج مختلف وغير مألوف، فبدلاً من الخيال المفرط أو عواطف الرعب المنتشرة في الأدبيات التي تتناول القصة، فالكاتب يحاول الجمع بين التفسيرات الدينية، المعطيات الجغرافية، والسياسات الدولية الحالية بطريقة متناسقة مع بعضها البعض واضعًا تساؤلات دون تقديم إجابات جاهزة للقارئ.
ولتحقيق ذلك الهدف، يبدأ الكتاب بتفكيك الغموض وذلك من خلال نص القرآن في سورتي الكهف و الأنبياء، بالإضافة إلى محاولة تناوله الأحاديث الصحيحة التي تتحدث عن هذه القصة.
و هنا تظهر الإضافة الأبرز في الكتاب والتي يدور حولها الجدل، حيث يطرح الكاتب فرضية مبتكرة مفادها أن يأجوج ومأجوج ليسوا شعوباً بشرية غامضة أو وحوشاً كما هم في مخيلتنا لكنهما يمثلون قوى الطبيعة الجيولوجية من براكين وزلازل التي تفوق قدرة الإنسان.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد حيث يبدأ الكاتب في تناول أيضاً لشعب هذه القصة حسب رؤيته والتي مفادها أن هؤلاء القوم الذين يريدون التخلص من يأجوج ومأجوج و استعانوا بذي القرنين هم قبائل الإسكيمو، استنادًا إلى صعوبة فهم لغتهم وربط ذلك بظواهر جغرافية وتاريخية تؤكد تلك البراهين.
مكان السد
وإذا كان الكاتب قد ناقش طبيعة يأجوج ومأجوج، فإن السؤال الأهم يتعلق ببناء السد الذي قام ببناءه ذي القرنين، حيث ترتكز القصة في سورة الكهف على طلب القوم من ذي القرنين بناء سد ليحميهم من فساد وطغيان يأجوج ومأجوج.
وقد أثار السد العديد من التساؤلات والتوقعات حول موقعه وطبيعته فبالإشارة إلى آراء بعض من الباحثون في هذا الجزء فمنهم من يرى أن "حصن دربند " الموجود في جمهورية داغستان الروسية، على الساحل الغربي لبحر قزوين هو السد المقصود وهذا ما ذكره "شريف الإدريسي" في كتاب "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" .
في المقابل، هناك من يشير إلى "سور الصين العظيم " الذي شُيِّد عبر مراحل تاريخية مختلفة ابتداءً من القرن الثالث قبل الميلاد في عهد “أسرة تشين"، واستمر تطويره حتى عهد “أسرة مينغ” (1368-1644م). و السور كان يهدف لحماية الصين من هجمات القبائل البدوية والشعوب الشمالية مثل المغول والترك، وذلك ما ينافي أيضاً نظرية أن يكون ذلك السد هو الذي قام ببناءه ذي القرنين.
أما الاحتمال الثالث الذي يذكره الباحثون هو "سور جرجان" المعروف بسور الإسكندر العظيم أو الجدار الأحمر، الذي يقع في شمال إيران، هو سد ذي القرنين لكن هناك العديد من الآراء التي تنفي ذلك الأمر.
ولذلك في الكتاب نلاحظ أن هناك تفنيد لتلك المعلومات حول أماكن السدود وشرحها في إسهاب مع ما يناقضها من آراء حول اختلاف مكان سد ذي القرنين.
تأثير السياسة في القصة
ومن الجوانب المثيرة التي تناولها الكتاب هو كيف تم استغلال قصة يأجوج ومأجوج سياسياً، حيث يرد الاسم "جوج" في سفر حزقيال تحديدًا في الإصحاح الثامن والثلاثين والإصحاح التاسع والثلاثين على أنه اسم لملك سيحكم على أرض تسمى "ماجوج" وهو من سيقوم بغزو أرض إسرائيل قبل اليوم الأخير لكنه سيُقتل هو وشعبه في مذبحة هائلة، وهذه المعركة تسمى في الأدبيات اليهودية باسم "حرب هرمجدون"
وبالطبع هذا التفسير لاقى رواجاً كبيراً بين اليمين المتطرف المتواجد في الغرب، وأثناء ذلك، اعتمد "جورج بوش الجد" على تلك النبوءة لتوصيل فكرة إنشاء وطن قومي لليهود.
وفي أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وما بعدها وصولاً إلى غزو العراق تم الترويج بأنه يجب التصدي ليأجوج ومأجوج متمثلة في العالم الإسلامي وروسيا حتى أن "جاك شيراك" الرئيس الفرنسي لم يصدق أذنيه حينما سمع الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش "الحفيد" يقول له أنه تلقى وحياً من السماء لإعلان الحرب على العراق لأن يأجوج ومأجوج انبعثا في الشرق الأوسط ويجب القضاء عليهم!!
هذه المعتقدات لا تزال تحرك العالم إلى الآن، فرئيس وزراء الكيان الصهيوني القائم حاليا على رأس السلطة هو أحد المؤمنين بتلك الأسفار و لا يترك فرصة الا و يكررها في تصريحاته، وكذلك الرئيس الأمريكي "ترامب" الذي يدعم هذا الكيان وذلك ما نلاحظه في أحاديثهما عن الحرب الدائرة في غزة الآن.
من هو ذي القرنين؟
بعد كل هذا التحليل المفصل في الكتاب يبقى السؤال الأهم : من هو ذي القرنين؟، حيث تناول الكتاب آراء بعض المؤرخين والمستشرقين الذين حاولوا الربط بين شخصية ذي القرنين وبين أشخاص تاريخيّة معروفة مثل "الإسكندر الأكبر" وكان هذا الربط بسبب رحلاته الواسعة إلى العديد من بقاع العالم.
وهناك من تناول احتمالية أن يكون "هرقل"؛ لأنه بطل قوي متواجد في الأساطير الإغريقية، وكان هذا لمجرد الربط دون برهان واضح أيضاً.
لكن الكاتب أضاف نقطة هامة في محور حديثه هو أنه من الوارد أن يكون ذي القرنين هو الرحال "بيثياس المارسيلي" حيث أنه قام برحلة مشابهة ووصفها وصفاً دقيقا في كتابين لكنهما غير موجودين وتم اختفاؤهما ولا أحد يعلم السبب وراء ذلك.
مميزات الكتاب:
ما يميز كتاب "يأجوج ومأجوج ولقاء مع ذي القرنين" أنه لا يكتفي بالسرد الديني أو الاسطوري فقط للقصة لكنه يحاول الربط بين النصوص بشكل منطقي.
كقارئ وجدت نفسي أعيد النظر في كثير من المُسلَّمات والكتاب جعلني أطرح عدة تساؤلات ومنها :
هل يمكن أن يكون يأجوج ومأجوج بالفعل رمزا لقوى طبيعية؟ وإذا كانت رمزاً فلماذا تمت تسميتهم بتلك المسميات؟
وأيضاً جعلني أتساءل عن هل كانت رحلة استكشافية من قبل أحد الرحالة أم لا ؟
اختلاف الآراء حول الكتاب:
يأتي النقد بشكل أساسي للكتاب بسبب مخالفة الكاتب للتفسيرات المعتادة والسائدة في التراث الإسلامي، فالكتاب يقدم فرضية جديدة بأن يأجوج ومأجوج ليسوا شعوباً بشرية غامضة كما قلنا حيث أنهما يمثلان قوى الطبيعة الجيولوجية وهذه الفرضية تتعارض مع ما أجمع عليه أغلب المفسرين وكتب الحديث، مثل "الطبري" و"ابن كثير" الذين يعتبران يأجوج ومأجوج قبائل بشرية مفسدة من ذرية سيدنا "آدم" عليه السلام وستظهر في آخر الزمان. هذا الاختلاف الجذري هو ما جعل الكتاب مثيراً للجدل بين أوساط المحافظين دينياً.
خاتمة :
"يأجوج ومأجوج ولقاء مع ذي القرنين" هو كتاب ممتع يجمع بين البحث العميق والأسلوب الشيق والسلس للحكاية، مما يجعله مناسبًا للمهتمين بالتاريخ كجزء من الحكاية . سواء كنت تتفق مع كل استنتاجاته أو لا، فإن الكتاب سيحفز عقلك ويجعلك تنظر إلى القصة من منظور جديد.
في انتظاركم في المقالة القادمة وكتاب جديد ..
تقييم الكتاب: ⭐⭐⭐⭐
اسم الكاتب: أسامة عبد الرءوف الشاذلي
الناشر: دار الرواق
عدد الصفحات: 248 صفحة