❞ ليس هناك ما هو أصعب من التخلّي عن السلاسل التي يجرّها المرء منذ ثلاثة عشر عاماً. ❝
جان بيير كاتسيلنو أعاد كتابة حكاية هنري شاريير التي أرسلها له، وقد قال له: ❞ أُرسلُ إليك مغامراتي، دعْ محترفاً يكتبها ❝. تبدأ الحكاية عندما حُكم عليه بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة ظلماً: ❞ لم تكن ضربة عادية، وقد تكالب كثيرون لتسديدها إليّ ❝. ومن تلك اللحظة انطلقت رحلته الداخلية والخارجية، متشبثاً بقرار عظيم: ألّا يتوقف عن محاولة الهرب، وألّا يهدأ حتى ينتقم لنفسه، محاولاً في الوقت ذاته ألا ينحدر إلى هاوية الجنون: ❞ من السهل جدّاً أن يُصاب المرءُ بالجنون في هذه الزنزانات التي تعزلك عن كلّ شيء ❝.
تكررت محاولاته، وفي كل مرة يقترب الخطر من القبض عليه، كان صدري ينقبض حتى أكاد أتوقف عن القراءة أياماً خوفاً من أن يقع في أيديهم، وكأن استمرار القراءة قد يسرّع بؤس مصيره المحتوم. أعرف أن هذا تفكير عبثي، لكن قوة السرد جعلتني أعيش هذه الصراعات معه.
"الفراشة" تجربة واقعية آسرة تنقل القارئ بتفاصيل دقيقة بين جدران السجن القاسية، وتكشف صراع إنسان بسيط، لكن يحمل في داخله مبادئ أصيلة لم تتزعزع رغم الظروف القاسية. هنري، أو "بابيون" كما لُقِّب لاحقاً — وتعني "الفراشة" — كان برأيي رمزاً لروح محلقة تأبى الخضوع، ومع ذلك كان تماسكه ورسوخ قيمه يثيران الدهشة، والأدهى كيف أن كل شخص قابله بدا وكأنه مسخّر ليساعده في رحلته.
قد سألتني الصديقة إيمان إن كنت أعتبرها من "أدب السجون"، والآن وجدتني أكرر قناعتي السابقة بأنها ألطف بكثير من قسوة هذا التصنيف، فهي أقرب إلى سيرة هروب وصمود، محمّلة بإرادة الحرية، أكثر منها غوصاً في سوداوية الزنازين.
"الفراشة" رواية لا تُنسى بسهولة، وتؤثر بقوة على القراءات الأخرى.
ملاحظة: تحوي بعض المشاهد الخادشة، وبعض الجمل الشركية وأخرى فيها تعدي على الذات الإلهية.
ليست للجميع 🔞