رواية "سقوط أوراق التين" لمينا عادل جيد تأخذ القارئ في رحلة سردية تمزج ببراعة بين الواقع والأسطورة، بين التاريخ والتصوف، في سرد لا يخلو من العمق الفلسفي والنفسي. الرواية تبدأ بمخطوطة قبطية يعثر عليها مترجم معاصر، لتفتح أمامه—and أمامنا—أبوابًا على زمن راهب يُدعى شيشاي، عاش في صعيد مصر في بدايات العصر الإسلامي، وهو راهب تعكس حياته الداخلية صراعًا بين الكبرياء والرغبة في الخلاص.
ما يلفت في الرواية ليس فقط الأسلوب المتقن أو الطبقات السردية التي تتكشف تدريجيًا، بل أيضًا المقاربة الفكرية العميقة التي تنسجها حول الهوية والانتماء الديني. الرواية تعكس من خلال شخصية شيشاي نظرة الأقباط القومية إلى الكنيسة الرومية الأرثوذكسية، ففي أحد المقاطع المهمة يظن شيشاي أن مارينا "بنت حرام" لأنها فقط كانت رومية، وهذا يعكس طبيعة الخلاف القائم بين الكنيستين القبطية والرومية الأرثوذكسية، ويجسده ببساطة قاسية ولكن حقيقية، دون شعارات.
القرية التي تدور فيها الأحداث ليست مجرد مكان، بل عالمٌ متكامل يتفاعل مع الزمن والتحولات الكبرى، من الإمبراطورية الرومانية إلى دخول العرب، ويظهر كيف تتقاطع الروحانية بالتاريخ والذاكرة القبطية. مينا عادل يكتب برؤية روائية ناضجة، تثير التفكير أكثر مما تقدم إجابات، وتترك في النفس أثرًا لا يُمحى، خاصّة لمن يهتم بتاريخ الكنيسة وتحوّلات الوعي الديني في مصر.