أوراق شمعون المصري

ل د.أسامة الشاذلي

يكتب لنا الأديب الدكتور مذكرات يحكيها لنا شمعون المصري عن أخبار بني إسرائيل منذ عبورهم البحر وحتى وفاة نبي الله موسى عليه السلام.. وهي وكما يقول الكاتب على لسان شمعون شهادة على جيل من بني إسرائيل، اصطفاه الله ولكنه عصى فكان جزاؤه غضب الله والتيه..

يبدأ الكاتب روايته بإهداء رقيق:

"إلى من لم يمل قط من سماع حكاياتي، أشتاق إلى حديث يجمعنا، فلدي الكثير لأقوله لك".

ثم يضع لنا الكتاب الأول وفيه آية من سورة المائدة عن تيه اليهود لأربعين سنة في الأرض، وسفر من أسفار التوراة.. ثم يمضي بنا إلى حيث الورقة الأولى..

الرواية مقسمة لأربعة من الكتب من ثمانية وستين ورقة ثم تتمة لأوراق شمعون وملحق به صور وأسماء الأماكن التاريخية في الرواية وموقعها الحالي، كذلك أسماء الشخصيات الحقيقية في الرواية بحسب الظهور بداية من موسى عليه السلام.. ثم المصادر والمراجع التي استقى منها الكاتب معلوماته..

كان شمعون طفلًا لم يتجاوز السابعة من

عمره يوم العبور، طفل يهودي الأب مصري الأمر، وكان اليهود كما كانوا دومًا يلقي بعضهم اللوم على موسى لأنه أخرجهم من مصر ..أو أن الله يظلمهم، أو يضيق عليهم .. وحين أمرهم موسى أن يقولوا سمعنا وأطعنا تجبروا وسمعوا فعصوا..

الرواية تحكي لنا المشاهد المتالية منذ خروج موسى وقومه من مصر، فنرى حكايات عن المن والسلوى، ونرى حكايات عن العماليق، ونرى الشامري"السامري" وقصته وغير ذلك من حكايات مكتوبة بمهارة وبأسلوب رشيق..

يضع لنا الكاتب على لسان شمعون الطفل والشاب تساؤلات وإجابات فيقول مثلًا:

"لماذا هذا الصراع الدائم ما بين العقل والأيمان؟

وأدركت على صغري أن الإيمان والعقل لا يجتمعان أحيانًا".

"لماذا حرم الرب السبت على بني إسرائيل، ولم يحرمه على باقي بني(إبرام)؟

"لماذا لا يؤمن بنو إسرائيل إلا بعد أن يروا العذاب الأليم؟"

"لماذا يُكرهنا الرب على عبادته مادام غنيًا عنا؟".

لغة الكاتب فصحى جيدة بها لمحات شاعرية ومعان رقيقة إذ نجده يقول:

"وحان وقت الارتحال من الوادي المقدس، شعرت هذه المرة بالوجد لفراق المحلة التي مكثنا فيها قرابة العامين، وشهدنا فيها أحداثًا جسامًا، نقشت ذكراها في ثنايا القلب، وتشكل في خضمها الوجدان".

"بينما امتطيت أنا الأتان التي تحمل متاعنا وخلفي سارت عنزتان، ونعجة حبلى فقدت كبشها كفارة لخطيئة أمي".

"ثم أهالوا عليه التراب ولم يعد يدل عليه إلا حجر أصم، يسمونه شاهد القبر، ولو كان هذا الحجر يشهد على شيء فإنما يشهد على أن أمواج الأماني مهما علت ستتحطم يومًا على صخرة الموت".

تعلم شمعون الكثير من الشيخ عابر إبراهيمي الديانة:

"القدر يا بني هو التدبير بميزان الحكمة، واللطف بميزان الرحمة، والتقويم بميزان العدل، وكل ما يقدره الله لنا يكون إما لحكمة يدبرها، أو لطف من رحمته، أو تقويم لما اعوج من أمرنا، ولذا وجب علينا الثناء على قدره في كل حال".

"ثم انصرف آخذًا معه المصباح، فغابت الحجرة في الظلام، إلا من شعاع أمل ظل يحدوني طيلة الشهور المقبلة..

أعجبني كثيرًا الأسلوب الذي صاغ به الكاتب حكاياته وخاصة حكاية موسى والخضر عليهما السلام.. أو حكاية البقرة الصفراء التي أمر الله بذبحها لمعرفة القاتل من بين بني إسرائيل..

أو حكاية صنم هبل، وغيرهم من الحكايات..-

الرواية طويلة تعدت الستمائة صفحة ولقد قرأتها ببطء شديد كما لو كنت أقرأ ثلاثية غرناطه للراحلة رضوى عاشور.. ولكنني هنا أقرأ رباعية شمعون المصري للدكتور أسامه الشاذلي، فالأحداث كثيرة من مصر إلى أعتاب الأرض المقدسة والتيه، من الأردن وجبال ثمود إلى يثرب ثم بكة أرض إسماعيل وذريته، ورحلة شمعون طويلة من منازل التيه إلى منازل اليقين..

صاغ الأديب الدكتور ببراعة في رواية متماسكة ممتازة..

هناك بعض أشياء أتمنى أن يعود إليها الكاتب في الرواية:

كيف يكون شهر اب "اغسطس" في اواخر الخريف؟ للأسف لا أتذكر الصفحة التي ورد بها هذا الكلام ولكنه في بداية الرواية

شكرًا د. أسامة على هذا العمل الممتاز وتمنياتي لك بمزيد من التألق والإبداع..

#نو_ها