الكتاب رقم ثلاث وثلاثون من العام 2025
الدفتر الكبير The Notebook Trilogy
أغوتا كريستوف Ágota Kristof
عن جنون الحرب والبراءة المهدرة
ترجمة محمدآيت حنا
هو الكتاب الأول مع نادي بين السطور
""الدفتر الكبير هو الجزء الأول والأهم من ثلاثية أغوتا كريستوف يليه البرهان والكذبة الثالثة، في هذا الكتاب تروي كريستوف المجرية التي تعلمت الفرنسية وهي لاجئة في سويسرا، تعمل في مصنع وتربي ابنتها وتكتبه، عما تعنيه الحياة بين وطنين وعن الانتماء لعالم تمزقه الحروب من كل اتجاه. فتظهر الوحشية المتنامية أثناء الحرب وكيف يقضى على معظم مظاهر الحياة.
""سنكتب (نأكل الكثير من البندق) وليس (نحب البندق)، لان الفعل (أحب)، فعل غير مضبوط، فعل تعوزه الدّقة والموضوعية. أن (تحب البندق) وأن (نحب أمنا)، صيغتان لا تنطويان على المعنى نفسه. فالصيغة الأولى تقصد مذاقاً رائعاً في الفم، بينما تشير الثانية إلى إحساس.""
طفولة ضائعة:
بموجب قوانين الأمم المتحدة للطفولة التي تنص على ان حماية الطفل هي مجموعة من التدابير والإجراءات المتخذة لضمان سلامة الأطفال وحقوقهم، وتوفير بيئة آمنة لهم من أي نوع من أنواع الإيذاء أو الإهمال أو الاستغلال أو العنف
الطفولة والحرب هما صفتان متناقضتان، فالطفولة هي فترة بناء وتنمية، بينما الحرب هي فترة دمار وتدمير للذات والمجتمعات. يتعرض الأطفال في مناطق النزاع لأضرار جسدية ونفسية واجتماعية كبيرة، وقد يفقدون منازلهم وعائلاتهم ومدارسهم، ويجبرون على تحمل مسؤوليات تفوق أعمارهم. يجب حماية الأطفال في مناطق النزاع وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي لهم، وضمان حصولهم على التعليم والرعاية الصحية، والعمل على إعادة تأهيلهم بعد انتهاء الحرب
بعد ان احبو الحياة، وفرحو بقدومهم إليها واخذوا املا كبيرا قبل ان يتم اخذه منهم كما اخذت طفولتهم لقد كانت غايتهم كأطفال منذ الولادة البحث عن السعادة بحثا ملحاحا على الطفولة التي لم نتمتع بها. لكن حين اندلعت الحرب في الوطن الصغير أصبحنا نحبذ "النّجاة" فقط. فبين الهرب من الموت والتّمزق فيه، كانت صرخة الإنسان في الطفولة وفي الوطن الذي جاء بهم إلى هذا العالم ولم يدرك خطورة الألم الذي سببه لهم الإنسان نفسه. لكنّ الوطن أدرك فينا حتمية الموت فكان يردد بصخب صامت ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد..
الرواية:
اول مرة أقرء للكاتبة المجرية التي تحمل الجنسية السويسرية آغوتا كريستوف 1935-2011 رواية الدفتر الكبير وهو الجزء الأول من ثلاثية أغوتا كريستوف يليه البرهان والكذبة الثالثة، حيث تتحدث عن الانتماء والحروب والوجع.
الرواية لا تتحدث عن الحرب وانما تداعياتها وويلاتها فانا لم أقرء الرواية وفي ذهني شخوص الرواية بل أطفال غزة واحلامهم يوسف ابتضاني وحلو، وريم تعالوا خذوني ومريم التي عرفت أمها من شعرها واحمد وأوووا وغيرهم من أطفال صغار شكوا الله وجع الحروب وقالوا انهم سيخبرون الله بكل شيء.
تلتقط الكاتبة هنا مشاهد وصورا عن حياة من الجنون الذي تخلفه الحرب، كأن يتوحش الأطفال الذين يجدون أنفسهم في مواجهة مع الموت والفقر والجوع. إذ تحكي سيرا لأطفال شوهتهم الحرب ودمّرت طفولتهم، محذرة بذلك من خطورة القضاء على جيل المستقبل الذي يفترض التعويل عليه في البناء المنشود.
أطفال غزة هنا دمرتهم الحرب واخرجتهم من الحياة والتعليم فهم أطفال الجوع والتشرد والتشوه أطفال بلا امل أطفال بلا وطن في ظل الحروب المتوحشة نعم فهي اقرب الى زلزال يأخذ معه كل شيء ولا يبقي أي شيء ، وقد تحدثت الكاتبة عن الوحشية والغوغائية المتنامية أثناء الحروب، وكيف يتمّ القضاء على معظم مظاهر الحياة، ويسود الموت ويعمّم القتل بنوع من التشفّي والانتقام، ويتمّ انتزاع إنسانيّة الإنسان ودفعه إلى مستنقع الجريمة والانتقام، بحيث يكون التصنيف بين معسكرين لا ثالث لهما: إمّا قاتل أو قتيل، جلاد أو ضحيّة.
قد تضيع الطفولة بالحر ب والتفكك الاسري وغيره من العوامل حيث تحدثت الكاتبة بالتفاصيل المملة عن حياة الطفلين
وكيف أن فقد الحنان يحرف مسار الحياة نحو اتجاهات خطيرة. تشبثَ الطفلان بالحياة، تجردا من الطفولة، وهما يبدوان أكبر من عمريهما.
"
تبدأ الرواية بهروب امرأة بابنيها التوْأم من المدينة التي تتعرّض للقصف والدمار إلى قرية صغيرة على الحدود لتبقيهما في كنف أمّها. وأمام رفض الجدّة تصرّ ابنتها أنّها لا تطلب شيئاً لأجلها، تتمنّى أن يجتاز طفلاها الحرب، لأنّه يستحيل إبقاؤهما في المدينة.
ربما نسئل لماذا لم يذكر اسم الطفلين وبقوا نكرتين؟ كما أنها لا تحدد القرية الحدوديّة، بل تكتفي بالإشارة إلى الحدود واختلاف اللغة والصراع والاقتتال على الطرفين. لقد ارادت الكاتبة الحديث هنا عن الضياع والتشرد ونتائج الحرب على الطفولة.
يتعرف الطفلان إلى تفاصيل بيت الجدّة بداية، ويتغلبان على العراقيل التي تضعها العجوز في طريقهما، ويصممان مفاتيح لفتح جميع أبواب البيت، حتى الغرفة التي تؤجرها العجوز للضابط الغريب لا تسلم من تلصّص الطفلين ولا اقتحاماتهما المتكرّرة.
يكون الطفلان ذاكرة الحرب وجريمتها المستمرّة بحقّ الطفولة، فهما ضحية مجتمع متحارب، يتفوّقان على الكبار بذكائهما، يجدان نفسيهما مجردين من المشاعر، يتصرفان بطريقة بعيدة عن الطفولة والبراءة، يحاولان التأقلم مع التخبط العام في صراعهما للبقاء والاستمرار.
من الصور المؤلمة التي تستعرضها الروائية، مشاهد من حياة الطفلة التي تقع فريسة الفقر والجوع، يتمّ استغلال حاجتها وجوعها وقنوط أمها. تتعرّض للابتزاز الوحشي، وتقع في براثن النبذ فتلوذ بممارسات لا تتماشى مع عمرها وطفولتها، كأن يتكالب على التمثيل بها عدد من الجنود، وقبل ذلك تعرّض نفسها لما يؤلم ويفجع من ممارسات شائنة.
يقوم الطفلان بتمارين الجوع والوجع والضرب والإهانة والعمى والصمم والتسوّل بغية التعرّف إلى الناس وردود أفعالهم، يعودان نفسيهما على قهر ما يتعرّضان له من الآخرين، وما يمكن أن يتعرّضا له مستقبلاً.
يتحوّلان إلى قاتلين صغيرين، يكتشفان محيطهما بكثير من الإيلام، يكونان رسولَي الفجيعة المتعاظمة والكارثة المتفاقمة. تسلّط كريستوف من خلال حياتهما الغريبة الأضواء على أجواء الحرب التي لا تستثني أحدا من وبائها. فالطفل يتشوّه كالكبير، كرجل الدين، كأي امرئ آخر، وتكون السمة الدارجة هي انعدام الثقة، بحيث ينقسم المجتمع ويتعادى الجميع.
ترصد الرواية بذور استشراء النزاع والعنف بعد أن تضع الحرب أوزارها، فتشتعل شرارة حرب جديدة مختلفة، لتفجّر قنابل مجتمعية موقوتة وتدفع إلى تصفيات وانتقامات لاحقة منبوذة تساهم في تعميق الجراح وتشويه معالم المجتمع
سيرة الطفلين التي تقدّمها كريستوف في روايتها هي سيرة أطفال الحروب جميعا بطريقة أو أخرى. فالدفتر الكبير الذي يفترض أنّه يجمع تفاصيل حياة الطفلين يكون شهادة على زمن قتل الإنسانيّة وإدانة للحرب المدمّرة.
لا تنتهي الحرب إلا مع قضائها على أيّة براءة أو طفولة، تتساقط الشخصيات تباعا، يكمل الطفلان رحلتهما وهما يوقعان بالجميع، ولا يستثنيان أقرب المقرّبين لهما. تراهما قد يقتلان من باب الرحمة، كحالة إحراقهما كوخ والدة الطفلة التي طلبت منهما إراحتها من بؤسها وفظاعة ما شهدته من مصير ابنتها.
وكذلك سلوكهما مع جدتهما التي أشيع أنها كانت قد سمّمت زوجها، وهي بدورها كانت قد سمّمت حياتهما كحياة الكثيرين، ثم يشهدان مقتل أمهما بقذيفة طائشة في نهاية الحرب، وكذلك يدبّران للقضاء على أبيهما الذي كان مراسلا حربياً واستعان بهما لاحقا ليساعداه على تهريبه إلى ما وراء الحدود.
الخوريّ الذي شهد بعض إجرامهما وتعرّض لابتزازهما وكشفهما له ولبعض ممارساته، يباركهما، وتكون في مباركته لهما رسالة إلى الجميع وهي: أن الطفلين الضائعين في عالم شنيع، هما نفساهما ضحيّتا عصر ممسوخ، لا يعرفان ما يفعلان. يعيشان في قلب الرعب معزولين عن العالم المنشود، والسماء تمطر قنابل طائشة، يخبران الإحساس بالعجز لاحقا، حين تنسد أبواب المحبة والجمال في وجههما فيضطران إلى التحايل على الطبيعة للبقاء والاستمرار.
تختار الروائيّة السرد بضمير الجمع المتكلم، أي أن الطفلين معا يسردان الحكاية، وينهيانها نهاية غريبة. ينفصل التوأمان عن بعضهما بعضا، وهما اللذان ظلا متلازمين طيلة سني الحرب. يختار أحدهما الانتقال إلى الجهة الأخرى محمّلا ببعض الكنوز، في حين يظل الآخر في كوخ الجدّة وفي القرية التي ساهمت بتحويله إلى وحش لهول ما عاشه ورآه.
ربّما يكون في اختيار ضمير الجمع ترميزا من الكاتبة إلى تبكيت صوت الفرد ودوره في أوقات الحروب الطاحنة التي يكون الأفراد وقودها وجمرها فقط دون أي اعتبار آخر.
وترصد بذور استشراء النزاع والعنف بعد أن تضع الحرب أوزارها، فتشتعل شرارة حرب جديدة مختلفة، لتفجّر قنابل مجتمعية موقوتة وتدفع إلى تصفيات وانتقامات لاحقة منبوذة تساهم في تعميق الجراح وتشويه معالم المدينة والمجتمع، بحيث تعثر على مَن يبتهج أنه مهزوم أو مبتور الأطراف أو مشوّه، وأنه ليس ميتا.