بدر رمضان ... قلم مميز جداً في الرعب
أنتم على موعد مع خوف خام...فاحذروا
هكذا عهدته ... فخاب ظني ..
في عالم أدب الرعب، يندر أن تطالع قلمًا عربيًّا يمتلك الجرأة على اقتحام العوالم النفسية الغائرة، والمجازفة ببناء فضاء سردي يجمع بين المعنوي والعضوي، بين الهاجس والهلوسة، وبين المرض والتجلي.
ولذلك حين يطلّ علينا قلم موهوب سبق لي الاطلاع على أعماله، دخلتُ عالمه هذه المرة مطمئنًا، مدفوعًا بثقة القارئ الذي يعرف أن خلف السطور فزعًا خامًا ينتظر الانفجار.
لكن، ويا للأسف، ما إن ولجت الأبواب حتى بدا لي الرعب هذه المرّة مضطربًا، يتأرجح بين التمهيد القوي والانهيار في المنتصف، بين التهويل اللغوي والتراخي البنائي، حتى خلتني أسير في دهاليز غير محكمة، لا أدري ما الذي سأواجهه، ولا كيف ولماذا.
الكاتبة نجحت بامتياز في صناعة جوٍّ من الترقّب المشحون بالقلق. فقد بالغت في التوصيف، وركّزت على التمهيد، وأعطت للحدث زخمه المكثّف. لكنّ المعضلة الكبرى لم تكن في الرغبة، بل في النتيجة.
كلّ هذا التضخيم لم يُكلَّل بخاتمةٍ تليق به، ولم يثمر سوى خيبةٍ سرديةٍ وانكشافٍ لغويٍّ واضح.
ربما ما زاد الطين بلّة هو تكرارٌ مفرطٌ لـ"كأن" ومشتقاتها، حتى بلغ عددها - في تقديري - أكثر من مئة مرّة! الأمر الذي منح النص وهنًا لغويًّا غير مبرَّر، وخلق رتابةً نَغَميّة تتنافى مع منطق الرعب الذي يقوم - أساسًا - على التوتر والتسارع.
الرواية تدور حول مجموعة من الشخصيات التي تتظهر لها أبواب غريبة، في أماكن أغرب ، لا يجب ان تكون موجودة . فتأخذهم إلى مدينة ضبابية، ربما على بُعد آخر من الواقع، في لحظة ضعف أو ارتباك أو شكّ.
لكل شخصية قصتها النفسية، ومكمن رعبها، لكن هذه القصص - وإن بدت واعدة - بقيت تدور في حلقة مفرغة، دون تعمّق كافٍ، أو تفسير درامي يشبع القارئ.مع تكرار واضح في الحدث وكيفية دخول المدينة المبهمة
ثم تأتي الشخصية الظلالية المبهمة التي تقف في الخلفية كقوة خفية مهولة، في مخبأ "سري"، لا نعرف كيف يكون سريًّا في عالم ضبابي مغلق!
كيف وصلوا إليه؟ كيف بقوا أحياء؟ كيف جرت بسيطة هكذا بعد كل الهول في ترقب المواجهة؟
أسئلة كثيرة يتركها الكاتب معلّقة، لا بوصفها أدوات غموض بنّاءة، بل كفراغات في النسيج الروائي نفسه.
بدأت الرواية بداية قوية... ثم انحدرت. وحين حاولت الكاتبة أن يرتق هذا التصدّع في الخاتمة، فشلت، أو على الأقل لم تفلح في تدارك ما ضاع.
وكنتُ أترقّب من هذا القلم - الذي أكنّ له التقدير - أن يمنحنا رعبًا خالصًا، لغةً وسردًا وفكرةً وبناءً، كما عوّدنا سابقًا، لكنه هذه المرة أخفق.
ورغم ذلك، تبقى الفكرة جريئة، وما زلت أترقّب من هذا الكاتب مزيدًا من العطاء الأدبي والجرأة الفنية.
لعل العمل القادم يحمل لنا ما افتقدناه هنا: التشويق الحقيقي، والفزع المؤسس، والدقة اللغوية، والبلاغة السردية