"يهود الظاهر"
للكاتبة المميزة سهير عبد الحميد
متاح ورقيًا وعلى تطبيق أبجد
دار النشر: الدار المصرية اللبنانية
***
قد لا أكون من هواة قراءة الكتب بشكل عام، وأكتفي بقراءة ما يخص دراستي، أو أبحاثي في مواضيع معينة أحتاجها..
لكن بناء على ترشيح الكتاب، وقراري بخوض تجارب مختلفة، فأنا أشكر الجروب وأستاذ إسلام، وأبجد على إتاحة التجربة المميزة هذه لنا.
***
الكتاب دعوة إلى الاقتراب، أن تقف في قلب حي الظاهر، أو تترجل بنفسك وسطه وتستشعر دقّات قلبه.
الطرقات هناك ليست مجرد أرض تحت أقدامنا، بل مضارب للذاكرة، ورحلة في عبق تاريخ لم نعرف عنه إلا قليلًا، أو لم أعرف أنا عنه إلا النذر اليسير..
رحلة بدأت مع الظاهر بيبرس، ووضعه لنواة حي صار قبلة للبشر على مدار عقود، وانتهت مع رحيل اليهود عن مصر بين متحسر موجوع، وبين حالم بائس ظن أن يومه الموعود قد أتى، وأن الحياة قد تبسمت له أخيرا في أرض الميعاد.
قد تبدو قصة شعب تلاحمت أطرافه جميعها، تعايش مسلمينه مع يهوده ومسيحيينه، لكن...
هناك تلك النعرة العرقية، والأنفة الكاذبة التي جعلت يهوده مهما نادوا بمصريتهم ظلت ديانتهم أولًا ثم هويتهم تلي ذلك، رأيت تعصبهم وانغلاقهم على نفسهم، شاهدت قوميتهم اليهودية تظهر قبل مصريتهم، وصندوقهم الأزرق شاهد على حقيقة ما يخبئونه داخل صدورهم..
بعضهم رفض الحصول على جنسية البلد التي آوته، وفضل العيش كأجنبي له مميزات الأجانب وتفضيلاته، رأى نفسه كمستثمر وليس كابن وطن، لما لا بينما هو يعامل معاملة خاصة! وله مكانة خاصة! ولن تؤثر عليه الهوية في مده بأي ميزة إضافية!
ربما لم ير المصريون هذا في بعض دروب الحارة، كانوا يألفون بعضهم، يتعاملون بأريحية وينسون لبعض الوقت أي فوارق دينية،
ويشهد على ذلك "طعمية موسى"؛ لأن الطعمية لم تكن مجرد أكلة، بل كانت ذكريات مشتركة، وحكاية ناس تعاملوا بسماحة نفس. كان الجيران مسلمًا ويهوديًا ومسيحيًا يشتركون في تناولها دون تفرقة…
لكن.. لا بد أن يأتي يوم لا تُفلح فيه الأمور، وينكشف المستور، وتتحرك النعرات المستترة داخل نفوس أوغرتها السياسة بالحقد، ومزاعم الوهم بالأفضلية عن باقي البشر.
ففي منتصف القصة، يأتي موسى مرزوق. لم يكن مجرد طبيب، ولم يشفع له تاريخ البلد التي منحته تعليمًا وهوية ومستقبلًا في جعله يشعر بالولاء، بل كان طاقة مكبوتة، قنبلة معبئة بالكره والحقد، دعتها عقود من تاريخ مسموم، ودروس العنصرية المضطربة فجأة إلى التمرد، ثم أطلقتها في "عملية سوزانا".
وتحول كل شيء فجأة إلى الأسوأ…
كل الوجوه المعروفة أصبحت مشبوهة، وكل بسمة على الوجوه صارت تدعو إلى الريبة… الحي الذي كان مجتمعًا لا يفرقه شيء، أصبح يحاوطه الشك والقلق والاضطراب.
***
لغة الكتاب وسرده:
اللغة فصيحة واضحة. تُرجمَت الذكريات فيه إلى كلمات قصيرة، شديدة الدفء، شديدة التأثير. لم تبالغ في الشعارات، ورغم حياديتها كثيرًا، إلا أنها نجحت في جعل النفس لا تتعاطف، رغم أنها في بعض الأحيان وضحت لنا الكاتبة مدى حزنهم، مدى خوفهم وقلقهم، لكن لا تعاطف معهم، فمهما كانت أحوالهم، كانوا هم المستفيدين الأعظم من بلد منحهم بلا مقابل ورغم هذا تنكروا له بشدة حين وجدوا بديلًا عنه..
وكأنها تقول لنا هم يهود متصهينون مهما حاولوا إنكار هذا..
الحوار: لا حوار تقليدي هنا، كل كلام مشهد، كل مشهد حاسة. الكاتبة تمنحك إحساسًا كما لو أنك سمعت الناس بنفسك، ونزلت إلى الشوارع بذاتك، تعاملت ورأيت، ومشيت في تلك الحواري والشوارع على قدميك.
***
رأي أخير:
"يهود الظاهر" ليست توثيقًا فقط. هي دعوة للإبحار في دروب الزمن، وقراءة بين طيات التاريخ. حكايات الناس الذين ربما لم نعد نراهم أو نعرف عنهم، لكنهم رغم كل شيء كانوا تاريخًا، وكان وجودهم جزءًا من حكاية بلد حتى وإن محى الزمن أثرهم...
***
بعض الإقتباسات من الكتاب:
❞ وبعزوف معظمهم عن الحصول على الجنسية المصرية؛ ذلك أن اليهود في مصر لم يكونوا كتلة إثنية متجانسة؛ فمنهم من عاش أبًا عن جد في مصر، ومنهم من وفد إليها من شرق أوربا فرارًا من المذابح، ومنهم من جاء بحثًا عن مجالات الاستثمار الرحب تحت مظلة الامتيازات الأجنبية وفي حماية المحاكم المختلطة. وهؤلاء تحديدًا لم يشعروا بأنهم مصريون. ❝
❞ "اليهودي هو يهودي أولًا، وبعد ذلك يمكن أن يكون أي شيء، كأن يكون يهوديًا فرنسيًا، أو يهوديًا أمريكيًا، أو يهوديًا روسيًا، ومهما تنقل من جنسية إلى جنسية فهو أولًا يهودي، وكذلك لو تنقل من دين إلى دين، فلو اعتنق المسيحية فهو يهودي مسيحي❝
❞ أن اليهود هم جزء من روح الله، وهم وحدهم سيدخلون الجنة، وفي حين أنه لا يجوز التعامل بالربا مع اليهودي، أو سرقته، أو قتله، أو الزنى بامرأة يهودية، يجوز ذلك مع غير اليهودي. ❝