يهود الظاهر: مسعودة وليشع ومرزوق > مراجعات كتاب يهود الظاهر: مسعودة وليشع ومرزوق > مراجعة Nourhan Fayed

يهود الظاهر: مسعودة وليشع ومرزوق - سهير عبد الحميد
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

**كتاب يهود الظاهر**

«فَهم، وإن طابت لهم الحياة على أرضِ مصر، لكنّهم حملوا بداخلهم تلك النَّعرة التلموديّة التي زرعها فيهم حاخاماتُهم القُدماء؛ فهم شعبُ اللهِ المختار المُفضَّل على العالمين، هم الأخيارُ ودونهم الأغيار. وهذا تحديدًا هو الوتر الذي عزفت عليه الصهيونيّة السياسيّة.»

على الرغم من أنّ هذه هي أوّلُ تجربةٍ لي مع الكاتبة، إلّا أنّ الكتاب قد جذبني من أوّلِ صفحاته. لم أتخيّل يومًا أنّي سأكون شغوفةً هكذا بكتابٍ يتحدّث عن اليهود؛ فلم أقرأ عنهم سابقًا، وبالتأكيد تلك لن تكون مرّتي الأخيرة.

بلُغةٍ فُصحى بسيطة استطاعت الكاتبة أن تسرد علينا أحداث الكتاب بسلاسةٍ ساحرةٍ، رغم امتلائه بالمعلومات القيّمة.

فتناول الكتاب التاريخ من أوّله، بدءًا من الظاهر بيبرس وكيفيّة إنشاء وتعمير الحيّ «حيّ الظاهر»، وكيف أنّ معظم سكّانه كانوا من اليهود.

وتوالت الصفحات بين شعورٍ بالدِّفء، ورؤيةٍ ودراسةٍ لتاريخ المنطقة والمناطق المجاورة، فنرى تعاملاتهم، وتِجاراتِهم، وتعليمهم وأعيادهم.

وكيف أنّه كان لهم صحفٌ خاصّةٌ بهم مثل صحيفة «الكليم»، ونتعلّم الفرق بين طائفتي القَرّائين والربّانيّين، ومن ثمّ نتعرّف على أشهر العائلات القَرّائيّة، وعلى معابدهم، وعلى أنديتهم وجمعيّاتهم.

قد مررنا برحلةٍ كبيرةٍ خلال هذا الكتاب، ولربّما نسينا في بعض أجزائه أنّنا نقرأ عن «اليهود»، ولا سيّما عندما ارتأينا آراءَ الجيران فيهم من المسلمين والمسيحيّين.

ولكن، وبمجرّد وصولنا للفصول الأخيرة من الكتاب، فإنّنا نصطدم مرّةً أخرى بحقيقتهم التي لا يمكن التغافل عنها؛ نصطدم بازدواجيّتهم، وأنّهم وكما قال إحسان عبد القدّوس: «اليهوديّ هو يهوديٌّ أوّلًا، وبعد ذلك يمكن أن يكون أيّ شيء».

فمهما اكتسبوا من طِباعٍ مصريّةٍ على مرّ السنين، فإنّ انتماءهم الوحيد سيظلّ دائمًا وأبدًا لدينهم؛ فلا هم ينتمون لوطنهم، ولا لعائلاتهم، وإنّما فقط لدينهم.

وعلى الرغم من أنّ الحركة الصهيونيّة كانت خطّةً منظّمةً لإقناعِ كافّة أبناء الطائفة وزرعِ الفكرة في عقولهم، وبرغم استجابة الكثيرين لها، إلّا أنّ القَرّائين كانوا الأقلّ استجابةً لهذا الفكر، والأكثر تَمصُّرًا.

وقد خرج أغلبهم من مصر رَغْمًا عنهم إبّان الحرب، وتشتّتوا في بقاع العالم المختلفة؛ فقد كانت مصرُ وطنًا لهم، واعتبر بعضهم أنفسهم مصريّين، الأمر الذي أحزنهم عند اضطرارهم لترك الجنسيّة المصريّة خلفهم والتخلّي عنها. وتعرّضوا فيما بعد للعنصريّة، فحتى أبناء جنسهم لم يعاملوهم كيهود؛ لأنّ مؤسّسة الحاخامات الربّانيّة شكّكت في وجودهم كيهود، فكانت تنظر إليهم على أنّهم «أوغاد».

ولا أُخفي عليكم سرًّا أنّ مشاعري كانت مُختلطة أثناء قراءتي عن مَن خرجوا من مصر وهم ينتمون لها، ولقد حزنتُ لأمرِهم بعض الشيء:

«لم تكدِ السفينة تُغادر ميناء الإسكندريّة حتى سمعتُ صرخة أبي: “رجّعونا مصر!”. لقد كان أبي يتحدّث بهوسٍ شديدٍ عن بيتِنا في شارع الملكة نازلي، كما لو كان ينتظر منّي أنا أن أتمسّك بكلّ ما فقدناه.»

ولكن سرعان ما زال هذا التعاطف، فكما هو الحال مع اليهود دائمًا: فإنّهم وإن اختلفت آراؤهم حول حبّ مصر — فأحبّها البعض وبغضها البعض الآخر — فإنّ حتى هؤلاء الذين لم يبغضوها، وإن تعلّقت قلوبهم بها، فإنّ انحيازهم للعقيدة الصهيونيّة لا يزال قائمًا.

«لم يُفارقْنا الصندوق الأزرق، وهو الصندوق القوميّ لليهود، الذي نجمع فيه النقود لتأسيس دولة إسرائيل.»

وأحببتُ كيف اختتمت الكاتبة الكتابَ بتشبيه الحيّ بلوحةِ الفُسيفساء؛ فقد كان بمثابةِ مُجمّعٍ للأديانِ والأجناس: فسكنَه الأرمنُ والشوامُ والمصريون، وتعايشَ فيه اليهودُ والمسلمون والمسيحيون.

"إنّك مدعوٌّ هنا في حيّ الظاهر إلى مشاهدةِ لوحةِ فسيفساءَ متباينةِ التفاصيل، منسجمةٍ في غيرِ تنافرٍ، أو فلنقل إنّها لوحة منمنمات فارسيّة كثيرة التفاصيل، متناغمةٍ دون ارتباك."

وإنّي لأعتقد أنّ الفصل الأخير من الكتاب، من كثرةِ المعلومات التي احتواها، يستطيعُ أن يكون قائمًا بذاتِه؛ فلقد ذُكرَ فيه العديد من الشخصيّات من أجناسٍ مختلفة، ولقد كوَّن جزءًا هامًّا من التاريخ.

وختامًا، هذا الكتاب يُعدّ موسوعةً رائعةً وشاملة لتاريخِ اليهود في مصر، وتاريخِ الحيّ «حيّ الظاهر» في القاهرة. ولقد استمتعتُ أيّما استمتاعٍ خلال قراءتي له، وأكثرُ ما لفتَ انتباهي هو حياديّةُ الكاتبةِ في نقلِها للتاريخ؛ حيثُ تعرضُ عليكَ الأحداثَ وتتركُ لك المساحةَ لتعتنقَ الرأيَ الذي تراه مناسبًا لك.

التقييم 4.5 من 5 ⭐

#مسابقة_ريفيوهات_يهود_الظاهر

#كتاب_الشهر_في_مكتبة_وهبان

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق