رواية المشعلجي هي آخر أعمال الكاتب أيمن رجب طاهر التي وصلت للقائمة الطويلة في جائزة البوكر العربية لهذا العام، وإن كان لحقها برواية على جناح ابن فرناس، ولكنها كانت رواية للفتيان؛ لذا تبقى هذه الرواية هي آخر أعماله المهمة المنشورة، وهي تدور في زمنين مترافقين منذ بداية الاحتلال الإنجليزي لمصر في عهد الخديوي توفيق بعد هوجة عرابي عام 1881، وحتى ثورة 1919 وزعامة سعد زغلول في المطالبة برحيل الاحتلال، ويأتي الزمن الأول على لسان الجد فيض الله الذي كان أحد جنود الجيش المصري وقت هوجة عرابي.
رواية المشعلجي في ملخص سريع:
الجد فيض الله هو بطل رواية الكاتب أيمن رجب طاهر، حيث تم تسريحه من الجيش بعد الاحتلال ونفي أحمد عرابي من مصر؛ فاتجه إلى مهنة المشعلجية الذين كانوا ينيرون أعمدة الإضاءة في شوارع المحروسة، والتي كانت عبارة عن فوانيس تضاء بالنار والجاز، وأورث مهنته تلك من بعده لابنه تقاوي، ولكن زحف الكهرباء على الحياة المعاصرة في عام 1919 جعل مهنتهم تلك مهددة بالانقراض، وفي هذا العام بدأت إرهاصات ثورة 1919 والمطالبة برحيل الإنجليز ونيل الاستقلال التام خاصة بعد صدور قرار النفي بحق الزعيم سعد زغلول ورفاقه.
في هذه الأجواء يبدأ الجد فيض الله في استرجاع ذكرياته أيام كان جندياً في الجيش المصري منذ عهد الخديوي إسماعيل وحفر قناة السويس، وتلى ذلك ثورة الجيش ومطالبه التي قادها أحمد عرابي، في عهد الخديوي توفيق ومطالبته للإنجليز بالتدخل لحماية عرشه، مما جعل الأمر ينتهي بالاحتلال الكامل لمصر، يحكي الجد فيض الله في رواية المشعلجي للكاتب أيمن رجب طاهر هذه الذكريات لحفيدته منيفة وخطيبها ومن ثم زوجها عبيد الذي يعمل على تدوين كل ما يحكيه له الجد وصديقه ورفيق كفاحه معروف السقاء؛ ليدون تاريخ مصر من شهود عيان على هذه الحقبة.
بينما نعاصر أحداث ثورة 1919 من خلال الأحداث المعاصرة لزمن الرواية والتي تجري لأبطالها في وقتهم الحالي، ومن خلال السرد تجرى المقارنات بين الوضع في وقت هوجة عرابي والوضع المقابل في ثورة 1919، والوضعان يمكن إسقاطهما في وقتنا الحالي على ما يحدث في الأرض المحتلة في عصرنا الراهن؛ فالتاريخ دائماً ما يعيد نفسه في أزمان مختلفة وأماكن مختلفة، ولكن نحن من نصر على ألا نتعلم شيئاً من أحداثه ولا نأخذ عظة وعبرة تمنعنا من السقوط في نفس عثراته.
الكاتب أيمن رجب طاهر وسرده في الرواية التاريخية:
وربما هذه هي أهم فوائد كتابة الرواية التاريخية، أن نعيد تجسيد التاريخ وطرح دروسه علّنا نفهم ونستفيد، وربما هذا هو الهدف من مشروع الكاتب أيمن رجب طاهر الروائي في إعادة سرد التاريخ باستخدام الرواية؛ لتفتيح أذهان القراء ووعيهم على أمور قد غفلوا عنها أو لم يعرفوها لعدم معاصرتهم لها؛ فلم يتمكنوا من استخراج دروسها، ولكن ربما في رواية المشعلجي كان الزخم التاريخي أعلى إلى حد ما عن الجانب الفني، فقد كانت هناك صفحات مطولة للجد فيض الله وهو يسرد بعض الوقائع التاريخية التي جرت أيام هوجة عرابي في استرسال أشبه بدروس التاريخ المدرسية.
وعلى الرغم من الأهمية التاريخية والقيمة العلمية لهذا السرد إلا إنه قد يخرج بالقارئ عن استمتاعه بالرواية فنياً، ويشعر أنه يقرأ كتاباً أكاديمياً في هذا الموضوع مما قد يصيبه بالملل، لم يكن هذا موجوداً في القحط على سبيل المثال وهي الرواية الأسبق للكاتب أيمن رجب طاهر، والتي نال بها جائزة الدولة التشجيعية لعام 2017، وكانت تنتاول فترة الشدة المستنصرية، وكذا رواية الهجانة التي نال بها جائزة كتارا للأعمال المنشورة 2021، ولكنني لاحظت في الأعمال الأخيرة له أنه قد بدأ يهتم أكثر للمعلومة التاريخية على حساب السرد الفني.
في النهاية تظل رواية المشعلجي من الروايات المهمة التي تناولت فترة تاريخية أو فترتين بشكل أدق لم تجمع بينهم روايات سابقة، وسلطت الضوء على نقطة هامة من كفاح الشعب المصري في الصعيد ضد الاحتلال الإنجليزي، وهو ما لم يكن مطروحاً من قبل في الأعمال الروائية، بل وحتى في الدراسات الأكاديمية وكتب التاريخ المتخصصة قل من يتناول هذا الجانب ويلقي الضوء عليه.
#المشعلجي للكاتب #أيمن_رجب_طاهر
#جولة_في_الكتب #روايات
#مقالات #سارة_الليثي