1️⃣ الموضوع : قراءة نقدية
2️⃣ العمل : رواية " الترجالي رأس الثعلب"
3️⃣ التصنيف : تاريخية ـ أندلسية
4️⃣ الكاتبة : ابتهال الدسوقي
5️⃣ الصفحات : 448 Abjjad | أبجد
6️⃣ سنة النشر : 2025 م
7️⃣ الناشر : دار إشراقة ـ زكي محمد
8️⃣ التقييم : ⭐⭐ ⭐ ⭐⭐
▪️مقدمة :
ـ إنها القراءة... في حضرتها كلُّ الخيرِ، كلُّ البِرِّ وليس الضير ، تُبهج قلبي ، تُمتع لُبي، تُشبع روحي، تُرضي جموحي؛ كيف لا، وهي الوحيدةُ التي إذا دخلتُ إلي عالمها ، محزونًا أبهجتني، مكروبًا أنقذتني، مهمومًا أسعدتني ؟! ملاذي عند كل ضيق، ومخرجي إذا سُدَّ الطريق، غايتي إذا انعزلت عن الوجود، وفَرَجي إذا تراكمت السدود .. أفرُّ إليها، وأستندُ عليها في ظَعني وأسفاري، ترحالي وقَراري، وما يومًا خيَّبتني.
ـ في كل حال، أجد فيها بغيتي، وأقضي منها حاجتي، وأسدُّ بها لَهفتي ، وأروي بها ظمئي وتزداد حلاوتُها إذا ما كانت في محلها: تقرأ ما تُحب، فتجد ما تُحب، من قلمٍ موهوبٍ، يُقدِّم لك ما النفس تشتهيه، وماالروح ترتضيه؛ فيُدهِش الجَنانَ مقالُها، ويُبهر الوجدانَ جمالُها، يُبحِر بنا في غياهب التاريخ، يُخرج من مغموره الصحيح، فيُنبِت في أنفسنا شوقًا، ويَخفق في القلبُ عشقًا، لتلك الجوهرة المفقودة… الأندلس!
▪️حول الأندلس:
ـ تلك الدُّرَّةُ المُرصَّعة فوق جبين الزمان، والمُزدانة بوشاح السحر في كل مكان؛ منبع العلماء، والسادة الأولياء، وأهل اللغة والأدباء؛ حيث تعانق السماءُ قبابَ المساجد، وتُناجي المآذنُ العابد والمجاهد ، أضواءَ القناديل في سكون الوجدان تبعث الهمم العالية ، لنيل كل غالية .
ـ هناك، حيث العلمُ سلطان، والفكرُ تيجان، والشعرُ ديوان، والعقلُ ميزان؛ حيث الجيشُ جرار، والسيفُ بتَّار، والفارسُ مغوار؛ تلك الأرض التي رَوّاها دمُ المجاهدين، وأينعت فوقها علومُ الفقه والدين؛ سُطورُ التاريخ تشهد، وأحجارُ القصور تُردد، وماءُ النهر يبتهل، وطوب الأرض يحتفل ، أن في الأندلس بهاءً لا يُمحيه الدهر، ومجدًا لا يُنسيه القهر، وعلمًا لا يُطفَأ بل يزدان، ويبلغ صداه كل مكان.
ـ فيها سطعت شمسُ ابن رشد وعمَّت الوجود؛ وتلألأت أنوارُ القُرطبي فجاوزت الحدود؛ وفاضت ينابيعُ ابن الطُّفَيل على الناس ، وبلغ العلى بجناحيه ابن فرناس ، وارتقى فكرُ ابن حزم، وشدَّ ابن مالك كل عزم، وسَحر العقلَ اللبيبَ لسانُ الدين بن الخطيب ، وناقش اليقين والظنون في مقدمته ابن خلدون .
ـ وفي ربوعها، كان المُوحِّدون أسودَ الوغى، سيوف قهر على من بغى ؛ يعقوب المنصور، ومن قبله أبوه يوسف بن عبد المؤمن، قادةٌ طوّعوا الجبال، ونقشوا على صفحات المعارك أمجاد الرجال... رفعوا عالياً راية التوحيد، وجاهدوا في سبيل رب العبيد، فسارت جيوشهم كالسيل العَرِمرِم، تُحرِق أوهام الصناديد، وتُبيد خرافة الحديد...
ـ هناك، في ذلك الفردوس الضائع، تسامى النبض العربيُّ والإفريقيُّ والأمازيغيُّ، وصُنع المجدُ من الحروف والنقوش، وخضع الوغى تحت نيران الجيوش... ولكن، وكما قال الشاعر الأندلسي ابن الرندي:
لكلِّ شيءٍ إذا ما تمَّ نقصــانُ
فلا يُغرَّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأمورُ كما شاهدتُها دولٌ
من سرَّه زمنٌ ساءته أزمـــانُ
وهذه الدار لا تُبقي على أحدٍ
ولا يدوم على حالٍ لها شـانُ
▪️حول القصة المروية:
ـ تدور أحداث الرواية حول الفارس المغوار أبي غالب عبد الله التُّرْجالي، ذلك الرجل الشجاع، الذي نبت على العزَّة والكرامة، ورفع شأن بلدته وقومه، مجاهدًا تحت راية أمير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن، أمير دولة الموحدين بالمغرب؛ يناضل عن مدن الأندلس، وعن مسلميها وموحديها، يذبُّ عنهم كل شر، ويقف في وجه كل طغيان، لا يُعاديه إنسٌ ولا جان.
ـ يعادي إحدى قُطَّاع الطُرق الذين يستعملهم ملوك الإسبان للإغارة على البلدان ونهبها، يُدعى جرانده، فيُذيقه عبد الله الترجالي ويلات الخزي والعار، فيفرُّ هاربًا، غير أن اللعين يأبى إلا أن يأخذ بثأره من بلدته، فيُغير عليها، ويُشتّت أهلها، ويغتصب نساءها، ويقتل أبناءها، ويقتل -فيمن قُتل- طفل عبد الله الرضيع؛ ولكن بقدر الله، تنجو زوجته وولده غالب.
ـ وفي رحلة البحث عنهما، يلتقي بالفارس القشتالي فرنان، وتكون بينهما صُحبة قوية، بين كرٍّ وفرٍّ، وخطط تنموية وإصلاحات تكاملية وبين اغتصابٍ للبلاد ونهبٍ للعباد ، كما هو حال ملوك الإسبان والبرتغال والدولة البابوية آنذاك … يُقتل عبد الله الترجالي على يد الفاجر ألفونسو الثامن، أمير قشتالة، فيأبى وليده الشجاع "غالب"، الملقب بـ"رأس الثعلب"، إلا أن يُعيد ثأر أبيه وهيبة دولته المستباحة، بعد أن يُغير عليها هذا الفاسد ألفونسو، ويحوِّل ترجالة إلى جحيم.
وبعد وفاة فرنان، أمير ترجالة، يصل غالب إلى جيوش الموحدين تحت قيادة الملك المنصور يعقوب بن يوسف، أمير المؤمنين، ويدخلون في معركة الأرك الشهيرة؛ حيث يُدكُّون قوى الشر المتمثلة في ألفونسو الثامن، وحاشيته وجيشه، ويُذيقونهم هزيمة نكراء، يُعيدون بها مجد البلاد، ويؤخّرون سقوط الأندلس ثلاثة قرون كاملة .. يرتفع الأذان، وتُقام المآذن، بعد أن خفتت أصواتها.
▪️على هامش الرواية:
ـ بعض الروايات تقرأها بعينيك، وبعضها تعيشها بجوارحك، وبعضها تُشاهدها رؤيا العين، وبعضها تُعاين أحداثها وتُشارك أبطالها حزنهم وأفراحهم؛ وهذه الرواية جمعت بين كل ذلك؛ حيث نقلتنا الكاتبة ببراعة أسلوبها ودقة تعبيراتها إلى هناك، إلى حيث الشموخ والعزة، إلى حيث الرجولة والأصالة، اللذين يتصارعان مع الخساسة والوضاعة، مع الحقد والغل، مع الفساد والجور، مع القوة والغرور .
ـ عِشنا الأحداث بتصوير رهيب؛ وضعتنا الكاتبة في جو الأندلس، شممنا عبق زهورها، ورأينا مفاتنها، وكشفت لنا عن أسرارها، وسبَرَت لنا أغوارها؛ بلغةٍ فصيحةٍ أنيقةٍ دقيقةٍ رقيقة، مُحلّاةٍ بالبيان والبديع، والسجعِ الجميل السريع؛ تتناثر كلماتها على الأوراق، فترسم لوحةً تاريخيةً تُوقظ الوجدانَ من خفوته، وتُطلق العِنان بعد سكوته، وترفع الهمة، وتصل بك وأنت تقرأ إلى القِمة.
ـ مشاهد أبكتنا، ومشاهد أسعدتنا، ومشاهد أخافتنا، ومشاهد أدهشتنا؛ روايةٌ تُعتبر مرجعًا تاريخيًا، وبحثًا عميقًا في زمن مجهولٍ للكثيرين، لكنه ذو تأثيرٍ عميقٍ في بقاء الأندلس ترفرف راياتها على العالمين ، بحبكة متينة ولغة رصينة نقلتنا وبحق، وأمتعتنا بصدق؛ وصف المعارك، والبشر، والأماكن، والزمان، بل حتى شروق الشمس وغروبها ، سرد مسلسل للأحداث من القوة إلى الثبات إلى الضعف والعودة …
ـ مدهشة فى العرض الموضوعي والنفسي والاجتماعي باستخدام تقنية الاستباق الزمني في البينة السردية ، لتعطيك نتيجة تقف مستغرباً ومتأملاً ، ثم تكشف لك في فيما يليها كيف حدثت هذه النتيجة ، لتبقيك في الحدث رغم ضخامتها مستمتعاً بها ، مستقبلا لها ، تسمع أصواتها تشاهد صفاتها .. بين الهوية والانتماء ، الحرب والسلام ، الحب والخيانة ، النكبة والنهوض ، اليأس والصمود.
▪️بعض الملاحظات:
ورغم كل ذلك، فإن الكمال لله وحده ، ثم لرسوله ﷺ من بعده ، فإن الرواية أصابها بعض الزلل ولكنه ليس بالجلل ومن ذلك :
ـ الإطناب وكثرة التفاصيل في بعض المواقف، قد يُشعر القارئ غير الصبور بشيءٍ من الملل .
ـ كذلك فإن الرواية لم تتعمق في دواخل وأعماق بعض الشخصيات الهامة كما تعمقت في بعضها الآخر.
ـ كما أن كثرة الشخصيات وتشعبها يُشتت أحيانًا، ويُلزم القارئ برسم شجرةٍ حتى يعيَ القصة من أولها إلى منتهاها.
ـ كذلك فإن البداية كانت مباشرةً، بغير توطئةٍ إلى هذا الزمن المجهول، وهو ما جعلنا بعيدين عن فهم القصة إلا بعد كثيرٍ من الوقت والقراءة.
ـ كذلك فإن الرواية أغفلت دور العلماء والأدباء في هذه الحروب، وقصرت بقاء الأندلس ورفعتها ورفع الأذان فيها على القوة العسكرية.
ـ كذلك اللغة رغم الفصاحة والبيان، لم تسلم من بعض الهنات البسيطة في التدقيق وفي بعض التراكيب اللغوية.
ـ كنت أتمنى الإشارة إلى بعض المصادر والمراجع التى لجئت إليها الكاتبة في هذا الصدد ، لتسهل للقارئ الرجوع إلى المزيد .
▪️ اقتباسات:
ـ ❞ الوطن كالوالد تستند إليه وتستمدُّ الدعم منه، ومهما تغيَّرتِ الأحوال يظلُّ حبُّه راسخًا وإن كان قاسيًا، وهو كالولد تتمنَّى له ما تتمنى لنفسك من رُقِيٍّ وسعادة، حتى وإن كان عاصيًا! ❝
ـ ❞ ما قيمة الحياة حين يَتراشق الناس الأذى، حين يَنبشون بأيديهم عذاباتهم، حينَ يتسلّط الإنسان علىٰ أخيه الإنسان؛ فنغدو كغابة تتساقط أوراقها؟! ❝
#أبجد
#ابتهال_الدسوقي
#الترجالي_رأس_الثعلب
#مراجعــات_محمــود_توغــان