منذ السطر الأول في هذا الكتاب، لا تقرأ سيرة أم كلثوم فقط، بل تمشي في أثر ظلّها، وتستمع خفيةً إلى نشيدٍ أبديّ يتصاعد من بين الكلمات.

حسن عبد الموجود لا يروي لنا حكاية حياة فحسب، بل يُحيي أسطورة، يرسمها بنبض الحنين والدقة والاحترام، كأنما يخاف أن يخدش وهجها الأبدي بكلمة ناقصة.

في كتابه، لا يُعامل الكاتب أم كلثوم كنجمة طرب عابرة، بل كظاهرة إنسانية وثقافية شكلت وجدان أمة، ورافقت أجيالاً بألمها وفرحها، بحنينها ووجعها. يبدأ بنا من الجذور، ويصعد بنا بهدوء في سُلَّم التحول الكبير: من ابنة القرية إلى سيّدة الشرق.

يتناول الكتاب جوانب طفولتها، صراعاتها الأولى مع الفقر والبيئة الذكورية، ثم يفتح صفحات نضالها الفني الطويل، وعلاقتها المعقدة بالسلطة، بالجمهور، برجال السياسة، والوسط الفني.

يسبر أغوار الصوت الذي أصبح وطنًا لمن لا وطن له، وملجأ لمن أتعبه الحنين.

القوة في هذا الكتاب لا تكمن فقط في المعلومات أو التوثيق، بل في اللغة: مشحونة بالعاطفة، ولكن دون انفعال؛ متزنة، لكنها لا تخفي انبهارها بكائنٍ يشبه المعجزة.

الكاتب لا يسرد، بل يعيد خلق الأسطورة بقلمه، حتى تشعر أن أم كلثوم تنهض من الصفحات، تنظر إليك، وتغني لك وحدك:

"إنتَ عمري". ( ذات الأغنية التي وُلدت ابنتي في غرفة العمليات على أنغامها)

وربما أجمل ما في الكتاب، هو ذلك التوازن الدقيق بين الإنسانة والرمز؛ بين "الست" التي تُقلّب وجع الحب في أغانيها، والمرأة التي كانت تدير مؤسسة فنية حديدية، تتخذ قراراتها بحزم وذكاء خارق.

اقتباسات من الكتاب تقف عندها طويلاً، كأنها مفتاح لبوابة روحية. ربما ستكتشف لأول مرة أن السيرة ليست عن مطربة عظيمة فقط، بل عن صوت جمع بين الأرض والسماء، وعلّم الشرق كيف يحوّل الوجع إلى خلود!

✍️ بقلم: قارئة أسرت روحها "كوكب الشرق" - هديل