في رواية المسخ لفرانز كافكا، يعالج الكاتب مسألة بالغة الأهمية، هي قيمة الإنسان، وكيف يمكن أن تختزل هذه القيمة في الدور الذي يؤديه للآخرين. تقوم القصة على رمز مركزي يتمثل في تحوّل "جريجور"، المعيل الوحيد لعائلته، إلى حشرة ضخمة، وهو حدث شكّل صدمة لأسرته وأثار حيرتهم في كيفية التعامل معه، وعجزهم عن تقبّل ما أصابه.
ومع تطوّر الأحداث، يلاحظ القارئ انتقال وضع "جريجور" من كونه يحتاج إلى الرعاية، إلى أن يصبح المشكلة الأساسية في حياة عائلته. غير أن القسوة الحقيقية تكمن في التحوّل الجذري في مشاعرهم نحوه، إذ تبدّل سلوكهم من التعاطف إلى البرود، حتى بات يسمع شكواهم المتواصلة من خلف الباب، ويشهد تغيّر أدوار العائلة من حوله بسببه. وهكذا جُرّد من قيمته وكرامته، مادام لم يعد قادرًا على توفير المال لهم، إلى أن مات قهرًا.
ويكشف كافكا أن ما هو أشد من الموت نفسه هو البرود الإنساني، إذ لم تحاول عائلة "جريجور" منذ البداية فهم السبب الذي قاده إلى هذه الحالة، بل استسلمت لمشاعر الفرح بعد موته، معتبرةً إياه العائق الأساسي أمام تقدمها.
في النهاية، تترك الرواية أثرًا عميقًا في نفس القارئ، وشعورًا بالخيبة والصدمة. فهي تعكس واقعًا يتكرر في حياة الإنسان: شخص يمرض ثم يذوي تدريجيًا، أو آخر يفقد فجأة جزءًا من صحته، فيُسقط من حساب الآخرين ويُعامل كالغريب، تمامًا كما حدث مع "جريجور".