فوق رأسي سحابة
دعاء إبراهيم
دار العين للنشر - ElAin Publishing
208
⭐️⭐️⭐️⭐️
■ كان واقفًا فوق رأس القاتل. يخبره أن أخاه يكرهه وأنه سيحظى بالفتاة الأجمل. يُشعره أن أخاه الأقرب، الأتقى، الأفضل. لم يدعه يتردد، نعق في أذنه وأشار نحو صخرة عملاقة، تحرك قابيل كما تحركت أنا في أروقة المستشفى، فيما وقف هابيل المسكين يردد: إن بسطْتَ يدك إليَّ لتقتلني ما أنا بقاتلك. كأنه يقول له اقتلني في وداعة، أو لعله رأى الغراب فوق رأس القاتل، وأدرك أنه مقتول اليوم. فاز هابيل بكل شيء في النهاية! خسر جسده فقط!
في عملها الاحدث تقدم لنا الكاتبة وجبة دسمة كالعادة ما بين أحداث ومشاعر وتفاصيل تتغلغل في نفوسنا ونتشرب بها فتنتهي الرواية ولا ينتهي اثرها.
تحكي الكاتبة في ثلاثة فصول عن نهى التي تعمل كممرضة وعن حياتها وكل ما مرت به من نوائب وأثرها عليها في إطار لا يخلو من الفلسفة كعادة الكاتبة لنكتشف معاناة البطلة منذ صغرها وهي إبنة وحيدة لأم مزواجة لا تحترم سنها ولا امومتها وأب أناني تبع غريزته وهرب وتركهم في أول فرصة لاحت أمامه.
❞ كل الأشياء المفزعة تصبح معتادة مع الوقت ❝
هكذا تأقلمت البطلة مع مأساتها منذ مولدها فقد كانت الأم تتبع شهواتها ولا تحمل لها هما فالزوج اهم من الابنه وعليه فلتذهب الإبنه إلى جدتها فتحل محل الأم في وصف من أروع ما يكون للكاتبة ❞ صار وجه أمي طيفًا يزورنا في المناسبات، خفتت صورتها من ذهني. وطَفتْ صورة جدتي بمحاولاتها الكثيرة لإرضائي. يومًا بعد آخر صار وجه جدتي أقرب لما يجب أن يكون عليه وجه الأم. وباتت هيئة أمي غريبة، ❝ وبالطبع لا مانع من استبدال الأب بالخال فكما يقال "الخال والد" ولكن من قال ان كل من حُمِّل أمانة كان على قدر مسؤليتها فوحدهم الاقربون من يستطيعون إنفاذ ضرباتهم في القلب بمهارة ليتولى الخال هذه المهمه البشعه فيكون الحامي والجلاد في ذات الوقت ومع صغر سنها وتمردها فلابد أن تلجأ الجدة له ليعاقبها وما أبشعه من عقاب، وهنا كانت الطامة الكبرى فمن قال ان لطفلة ان تعي معنى أن يُرتكب في حقها جريمة ومن لها ليمنحها الثقة في البوح والتعبير ومن لها ليقتص من الجاني ومن قال انها ستجد لها داعم بعدما نهرتها أمها فهي كما قالت"وش فقر زي ابوها".
اعتادت البطلة التعري ولكن ليس كوالدتها وشهوانيتها وانما كلقيط لا يجد حائط يختبئ خلفه فكانت طفلة عليها أن تحمل همها بنفسها فيجب عليها الطاعه حتى لا تتعرض للعقاب الذي كان يحدث على كل حال في يوم جمعه وتحت صوت إذاعة القرآن الكريم العالي كما وجب عليها التفوق والعمل والاعتماد على نفسها ومعاداة الاقربون حتى لا تكون محل احراج بسبب امها او ابوها والاهم من كل ذلك ان تجد اجابة امام الله حين يسألها لماذا لم تعترض ولماذا كانت ممتنه لعدم البوح وكأنها هي المذنبة لا الاخرون.
في الفصل الثاني بعنوان ميلاد ظننت الحياة ستبتسم للبطلة اخيرا فها هي تسعى لحياة جديدة في بلاد جديدة وها هو الأب بعد سنوات طوال يحاول تقبل ابنته ظناً منه انه بذلك يسدد فاتورته السابقة ولكن من قال ان الماضي يختفي في طرفة عين فماضيها يلاحقها اينما رحلت مثل ظلها وتتوالى الاحداث وتظهر شخصيات جديدة بقصص مهتلفة ووحده يظل معها لا يغيب ذلك الغراب الذي اتخذها يدا له تنفذ ما يشاء وقتما شاء.
في حياة اخيرة كانت الخاتمه فبعد محاولات عديدة للتأقلم وخلق شريك وهمي يعيش نفس المأساة وبعد طرح تساؤلات فلسفية عديدة تضعك في معضلة كبيرة تحكي البطلة عما آلت إليه فتصف شعورها ❞ للألم مراحل كثيرة مرهونة دومًا بالوقت. أول الألم الإنكار وآخره الإذعان. تنكر أن شخصًا قادر على إيذائك. وحين ترى صورتك معكوسة داخل عينيه تبدأ في التصديق، بعدها تحاول يائسًا أن تقاوم، وحين تفشل تتقبل الإذعان كحل مناسب للحفاظ على ما تبقى منك. لكن المرحلة ما بعد الأخيرة هي أن تتشرب هذا الألم، تبتلعه بنهم، تتركه ينمو داخلك كائنًا صغيرًا، سرعان ما يكبر وينفصل عنك، أن يصبح للألم إرادة حقيقية، مستقلة " وهكذا تحكم فيها ألمها لتصل الى شاطئ أمانها الذي طالما تمنته❞ ما الذي أود فعله في هذه الدنيا؟! لا شيء. كأن تصل إلى خط النهاية في سباق حياتك، ماذا بعد القمة سوى الهبوط للأسفل مجددًا، أو السقوط." وتترك لك ما بقي منها الم مُتجسد كغصة في حلقك والسؤال المُلح هل كانت جاني أم مجني عليه؟
ناقشت الكاتبة العديد من القضايا المتعلقة بإنفصال الاهل وتأثير ذلك على ابنائهم وكذلك زnا المحارم ومهنة التمريض ونظرة البعض لها ولمن يمتهنوها بالاضافة الى قوانين المجتمع الياباني وطقوسه وبالطبع السبب الاساسي في كتابة العمل وهو الظلم البين الذي يقع على بعض المسجونين ممن لم تثبت عليهم التهمه كأن يصل أحدهم للسجن ظلما لما يقرب من نصف قرن وما يترتب عليه من اهدار لحقه حتى انهم لا يستطيعون العيش وسط ذويهم بعد ترسخ فكرة انهم مذنبون او تعاملهم مع شبح التكنولوجيا من حولهم.
كعادة الكاتبة العمل ينضح بالألم في كل موقف فلا تكاد تنتهي من صدمة حتى تباغتك بأخرى اكثر ما أثر في هي نظرة البطلة لنفسها فقد كانت هي الجلاد طوال الوقت ربما لو سامحت نفسها لوجدت فرصة ولكن الأكيد أنها تحملت ما لا يقدر عليه بشر كذلك لحظات موت كل من والدتها ووالدها بما يحويان من حوار وموت طفلها احببت العمل رغم ألمه ولا ارشحه لأصحاب القلوب الضعيفة ولكن ان كنت تبحث عن أدب يستحوذ عليك فتمنياتي لك بقراءة ممتعه.
■إقتباسات:
• أتعجب من قدرة الإنسان على التكيف، ككائن هلامي كلما وضعوه في إناء أصغر، اقتطع جزءًا من جسده، وألقى به بعيدًا ليعيش، دون أن يبكي على أجزائه الكثيرة المقطوعة، يتحسس المكان الجديد الضيق بشغف أنه لا يزال حيًّا. والأهم أنه لا يزال قادرًا على العيش.
• الأفضل دومًا هو الأقدر على الانبطاح، على تمرير كل شيء، وأي شيء، على النجاة،
• ثمة قتل يومي وعادي يتكرر بتلقائية. ثمة قتل كالحياة لا يحتاج للأسئلة.
• ما أجمل الموت الذي يهبنا ما لا تقدر عليه الحياة، الذي يخلصنا حين يأتي في وقته تمامًا، في اللحظة التي نتمناه فيها. أنا أداة الموت. ابنته المخلصة.
• الصدفة حظ الضعفاء.