#قلم_وكتاب
فوق رأسي سحابة
الكاتبة: دعاء إبراهيم
ترسم الكاتبة "دعاء إبراهيم" باقتدار عالم بطلتها رئيسة الممرضات "نهى" التي تعاني من ملاحقة ماضيها القاسي، وصعوبة حياتها بين أمها وجدتها على السواء، واستغلال خالها لها جنسيا، لتذهب إلى والدها الغائب في "اليابان"، حيث تكتشف عالمًا آخر مغايرًا جذريًا لكل ما نشأت وعاشت عليه، ويلاحقها القدر وتتورط في جريمة قتل لم ترتكبها فعلاً، رغم أنها ارتكبت غيرها الكثير! ، ولم يكتشف أمرها أو يعرف سرها.
السرد واللغة :
- يتحرك السرد في الرواية من الداخل إلى الخارج، ويتبع إيقاع الذاكرة لا منطق الحدث، ويبني على التداعي لا على التسلسل.
- اعتمدت الكاتبة تقنية السرد البوليفوني " تعدد الأصوات " لتنطلق منها داخل عوالم الشخصية الرئيسية للرواية، وذلك عبر استنطاق غير مباشر لأكثر من راوٍ يتقاطعون جميعاً في تحديد مصير البطلة ومصائر بقية الشخوص. في مواضع محددة داخل النص تداخل أكثر من راوٍ في ثنايا فصول بعينها وربما بالفقرة ذاتها عبر الاعتماد على مشاهد مركبة ينتقل بها الحكي من البطلة-بشكل ضمني- إلى لسان حال الغراب تارة ثم إلى ” قابيل” شريكها في الحب والحكي والخطيئة.
- تباينت لغة البطلة ذاتها وتطورت بتطور علاقتها مع كل من الغراب وقابيل، فوجود الغراب من بداية الصفحات الأولى من الرواية أظهر صوتها جافاً وخالياً من الروح مما انعكس على اللغة التي استخدمتها البطلة التي جاءت حادة وجافة ظاهرياً في حضرة الغراب؛ بخلاف قابيل الذي جاء حضوره خفيفاً شفيفاً رقراقاً مما انعكس على لغة السرد، فكل المشاهد التي تجمع البطلة مع حبيبها “القاتل الأول قابيل” كانت اللغة شديدة الوداعة والرومانسية، حتى لحظات الحكي عنه دون وجوده انساب السرد بخفة فراشة تحلق من شرنقتها نحو الحرية والخلود.
- لجأت الكاتبة إلى المشاهد شديدة التركيب كبديل عن الاستخدام المفرط للفلاش باك، مما أكسب النص طابعاً سينمائياً خاصة في المشاهد الإجرامية واستدعاء لحظات الألم النفسي، كما حافظت بنية النص التي تعتمد على تقنيتي التقطيع ثم التأخير على عنصر التشويق
- اعتمدت الكاتبة على التكرار كأداة إيقاعية، تردد الراوية جملة “ستموتين اليوم” أكثر من مرة، بصيغ مختلفة، فتقول مثلاً: “عارفة يا ماما.. إنك هتموتي النهاردة”، لتصنع تمهيدًا لانهيار داخلي يقود إلى لحظة مواجهة بين الابنة والمريضة، بين الممرضة والضحية، بين الطفلة والموت الذي لم يمت بعد.
( قد يبدو هذا التكرار نوعا. من الالحاح ، يدفع القارىء الى الملل، ولكنه تكرار يعكس الاهمية التي يوليها الكاتب لمضمون تلك الجمل المكررة باعتبارها مفتاحا لفهم المضمون العام الذي يتوخاه الكاتب).
- لا تتوقف الرواية عند ذروة، ولا تبحث عن خاتمة، يتنقّل فيها القارئ بين المشاهد كما لو أنه يفتّش في درج مظلم، كل سطر يكشف عن طبقة جديدة من الخوف، وكل جملة تحمل أثر ما لا يمكن قوله.
الرمز والمجاز في الرواية :
- جاء قابيل يرمز للموت ، لأنه أول من مارس إثم الموت، التى تمارسها الراوية بممارستها فعل القتل عندما يخبرها غرابها أن أحدهم سيموت فتعطيه جرعة دواء قات.
- يحضر الغراب في الرواية منذ سطورها الأولى، وكأنه نذير الشؤم وداعي الخراب يخبرها بموتها، فيما كانت تستدعيه الراوية/البطلة طوال الوقت لكونه يعرفها على من سيموت من ضحاياها.
- ذلك الغراب الذي يستحضر بطبيعة الحال حادثة الموت الأول في تاريخ البشرية يوم كان الغراب دليلاً لقابيل القاتل الأول لكي يدفن جثة أخيه المقتول هابيل، هكذا يحضر الموت الأول، ورموزه الغراب وقابيل ليشاركا بطلة الرواية عالمها، فالأول يبدو كدليل على الموت، فيما يأتي الآخر كوسيلة لخلاصها، ولو بالخيال، من ذلك الواقع المأزوم!
على الهامش:
- الرواية رحلة بين الثقافات، حيث تنتقل الرواية بين عالمين، أحدهما عربي والآخر ياباني كما تنتقل بين الواقعي والفانتازي.
- تعرضت الرواية لمشكلات المرأة العربية كما تكشف أيضًا مشكلات المجتمع الياباني مثل انتشار حالات الانتحار، فاجعة فوكوشيما، ظروف الاعتقال على ذمة قضايا، مشاكل القانون الياباني التي تجلت في حالة: إياو هاكامادا الذي صدر ضده حكم بالإعدام وظل لمدة 48 عام على لائحة الإعدام وحين تم إعادة محاكمته ثبتت براءته”.
- قامت " نهى " بتنفيذ العقاب على الجميع وفي حق الجميع إلا في حق الشرير الأول في حياتها، لا عن خوف ولكن عن وعي بكونها أصبحت متواطئة معه ولو بالصمت.
وختاما :
"فوق رأسي سحابة" رواية تعكس هشاشة الإنسان وقوته، انكساره وتمرده، ماضيه ومستقبله. من خلال حبكة نفسية عميقة تستكشف الصراع بين الحرمان والرغبة، الملائكية والشيطانية، الماضي والمستقبل.
مستغلة ثيمة الجريمة لصناعة "فلسفة ورؤية أبعد”.
#د_ماجد_رمضان