#مسابقة_مكتبة_وهبان
#مسابقة_مراجعات_فوق_رأسي_سحابة
●العمل : رواية " فوق رأسي سحابة "
●التصنيف : نفسي-فلسفي.
● الكاتبة : دعاء إبراهيم
●الصفحات : 208 Abjjad | أبجد
● سنة النشر : 2024 م
●الناشر : دار العين للنشر - ElAin Publishing
هذا الريڤيو يأتي بصوت "نهى"، بطلة رواية "فوق رأسي سحابة"، التي لم تملك يومًا صوتًا.
أنا نُهى، لست من أُولي النُّهى، بل من أوائل الضحايا، أو كلّهم إن شئت.
أنا الماضي الذي تاه في السراديب.
أنا الحاضر الذي تجمّد في جبل فينسون.
أنا الغادر والمغدور، القاتل والمقتول، الدنيا والآخرة.
أنا الفتاة التي حلمت بغدٍ لا يأتي.
أنا التي حلمت بأم... لا تستغرب حلمي، ولا تتعجّب منه.
تعالَ معي، أُعرّفك بأمّي.
أمي التي سكنت خاطري دومًا، ولكن غيابها كان كحضورها.
ترمي نفسها هنا وهناك، وتنأى بحضنها عن قلبي.
أفتقدها... فتُهشّمني، تُحطّمني، تُحمّلني ذنبًا لا يد لي فيه:
"أنتِ كأبيك!"
ما معنى "أب"؟
أخذنا في المدرسة أن الباء تأتي بعد الألف، وعندما نجمعهما نحصل على كلمة: "أب".
لكن، ماذا تعني؟ وماذا تتضمن؟
هل هو كل من جاء يرتشف رحيق أمّي، ويُخبرني بغلظة وجفاء أنه لي أب؟
هل كل أولئك آباء؟!
يُصرّون على أنهم آبائي... لكنكِ يا أمي كنتِ شغلهم الشاغل، وكنتِ شغلي أنا!
لماذا يرحلون، يا أمي؟ وأين ذاك الذي تدّعين أني أشبهه؟
أهكذا يكون الآباء؟ يتزوجون، يُنجبون، ثم يهربون؟!
غضب الأب الجديد، فأرسلتِني إلى جدّتي تُهذّبني.
أطعمتني جيدًا كقطٍّ أليف يُؤنس وحدتها، رأت معدتي، وأهملت فؤادي.
أخبريني يا أمي،
هل كان داخلي مظلمًا وسحيقًا؟
أم غيبًا يسير من وراء حُجُب؟
داخلي كان يصرخ، يشتعل، يا أمي...
أكان رمادًا؟ فأعمى غباره عينيكِ وعين جدّتي؟
ظللتُ يومًا أبحث في الطُرُقات عن الحب، الرحمة، الحنان، الاحتواء...
تورّم كاحلي، واغبرّ رأسي، وما وجدتُ حتى خُفّي حُنين.
أتعلمين، يا أمي، أنكِ بنيتِ بيننا جدارًا يفوق جدار برلين في عتاقته؟
كرهتُ البحر، ولم تكلّفي خاطركِ أن تعرفي السبب.
قابلتِني بالطعنات والسباب.
أمي...
أهكذا أستحق أن أكون منبوذة؟ مذنبة؟ مخطئة بلا جريمة اقترفتها؟
جدّتي، بيديكِ الدافئتين، اللتين كساهما الزمن تجاعيد الشقاء،
سلّمتِني لحبل الغدر والمشنقة، سلّمتِني للمقصلة بكل هدوء.
خالي...
كان سكينًا في الظل، وقيدًا في ظهري.
لم يكن والدًا، بل كان سفّاحًا مغتصبًا.
اغتصب أماني قبل جسدي، اغتصب أمني، روحي، طفولتي، براءتي.
أهكذا يكون "الوالد"؟!
أمضيتُ في الحياة، رغم أنها تعاندني، تقهرني، تحطّمني في كل خطوة.
وفي يوم... يا أمي...
لفظتُ كل ما بداخلي، تقيّأتُ غضبي المكتوم، وأجبرتكِ أن تتجرّعيه.
لم تفلح نظراتكِ الغضبى، المتوعّدة.
انسِ، وتناسَي، فلن تُفلح تلك النظرات معي بعد اليوم.
فبداخلي جحيم مشتعل، وفوق رأسي ناعق ينعق بكل آلامي وجراحي...
أتعلمين يا أمي؟ لم تكوني الأولى، وكنتُ أظنكِ الأخيرة.
تركتُ الجمع والجميع بعد رحيلكِ، يا أمي.
ذهبتُ صوب سُبّتي – سبابكِ وإهاناتكِ – لأتعرّف عليها.
ذهبتُ صوب أبي.
صدقتِ يا أمي، أشبهه ويشبهني.
لكن هل داخلنا متماثل؟
لقاؤنا كان باردًا، باهتًا، لم يُكلّف نفسه حتى اعتذارًا سخيفًا!
تلبّسته اليابان وتقاليدها. قال لي: هنا كلّ شخص مسؤول عن نفسه!
كدتُ أقهقه، يا أمي...
وهل جعلني يومًا ضمن مسؤولياته؟
أو حتى في جدول مكالماته؟
أهداني سكنًا يدفع إيجاره، وأوجد لي عملًا!
أحقًّا أنا مظلمة، يا أمي، كثقبٍ أسود، فلا يقترب مني أحد؟
أكنتُ أظن – بعقلي القاصر – أن المدعو "أبي"، الذي أحمل اسمه وملامحه،
سيحتويني؟
يعوّض سنيني؟
يهبني الأمان المسلوب؟
يمنحني دفئًا، يرمّم تصدّعاتي، يجبر كسري؟
أكنتُ بلهاء كالعادة؟ حالمة؟
أنسيتُ أنني لا أعرف إلا الكوابيس؟!
وَهَنَت روحي، يا أمي، منذ قرون، وانسجمت مع قابيل واحتميت بظله .
ضحكتُ يوم موت المدعو أبي، شبيهي، فعلتُها، يا أمي، مرّة أخرى: قتلته.
فانتشى داخلي، ونعق غرابي، وكافأني قابيل واحتفى بي.
أحرقوا جسده، فلم أكترث...
تلك كانت اليابان، وتلك كانت تقاليدهم.
أأنازعهم فيه؟ وهو لم يُلقِ لي بالًا يومًا؟ فليحترق.
في اليابان، يا أمي، الحياة باردة.
يلهثون بقوة كأنهم في ماراثون لا ينتهي،
يتسابقون لإنهاء العمل، بإتقان، بمثالية قاتلة.
يتسترون خلف أقنعة العفاف والمثالية، حتى الانهيار.
تمرّدتُ هنا على كل شيء، أبحث عن حرارة، عن شيء افتقده، عن شيء أضعته أم لم يكن أبدًا بجواري؟
أمي الحياة لم تكن باردة في اليابان فقط،
بل في صدركِ يا أمي أيضًا.
لم ألمس دفئًا يومًا... أكنتُ أنا السبب؟
رغم الحرائق بداخلي كانت دومًا أطرافي باردة متشنجة.
مالسر يا أمي؟ ما الأمر؟
أنا نُهى التي سُجنت ظلمًا في طفولتها، وسُجنت ظلمًا في نهايتها.
والمضحك المبكي... أنهم اقتادوني إلى الزنزانة
في الليلة الوحيدة التي لم أقتل فيها أحدًا.
ياللسّخرية.
ينعق غرابي، ويثور قابيل الذي يسكن وجداني... ولكن دون جدوى.
من يُصدقني؟ من يُدافع عني؟
فأمي لم تهتم.
وأبي رحل، وما رَمَش.
أما جدّتي فملأت بطني، وقادتني للانتهاك تأدّبني.
أهكذا دومًا أُحاسَب على كؤوسٍ لم أتذوّقها؟
أنتم يا أصدقاء... بل يا غرباء،
تحبّون رؤية ما يُشعركم بالرضا:
أنكم مثاليون، منتعشون، متميّزون... مزيفون.
وتديرون ظهوركم للحقيقة، خشية أن يظهر قبحكم للعلن.
أنا نُهى...
فتاة بجناح مبتور، وغراب أسود ناعق.
أنا نُهى... الرحمة المؤودة في مهدها، والموت المُسكِر في نعشه.