*ثلاثة غربان فوق حقل القمح*
_رواية تبحث عن وطن داخلي_
بقلم: [احمد امين احمد]
في روايتها “ثلاثة غربان فوق حقل القمح” تقدّم الكاتبة رويدا العباسي عملًا روائيًا مختلفًا عن السائد؛ لا يتكئ على حبكة تقليدية ولا يراهن على التشويق الحداثي، بل يغوص مباشرة في أعماق النفس البشرية، ليفتح ملفات الألم والخسارات المؤجلة، وهاجس الانتماء، وشقاء البحث عن الذات.
الرواية تسرد حكاية فتاة تعاني من ضعف سمعي منذ طفولتها، عالقة بين طفلة لا تملك أدوات التعبير، وامرأة تسعى خلف وطنها الداخلي، ذلك الوطن الذي قد يكون حقل قمح باردًا تحلق فوقه غربان الحزن.
_مسرح داخلي محكوم بالحواس_
منذ الصفحات الأولى، ندخل عالم البطلة الداخلي، حيث تتحول تفاصيل الطفولة إلى جروح غائرة، يضاعفها غياب الأب، والأم الغارقة في صمتها. ولا نجد في الرواية أي شخصيات قوية تقابل البطلة أو تصنع توازناً دراميًا، لكنها وحيدة في مواجهة مشهد الحياة، ولا نجد إلا القط ڤينسنت ليشاركها تلك الوحدة — قطٌ بجرح واضح، يحمل اسمه من فان جوخ.
_رمزية ذكية غير مفتعلة_
تميزت العباسي في توظيف رموز فنية دقيقة: الغربان الثلاثة المستمدة من لوحة فان جوخ، تمثل الغرباء المنبوذين، في مقابل المجتمع الذي يرفض المختلف.
كما أن لوحة “ليلة صلب زهرة النرجس” التي ترسمها البطلة، تجسّد لحظة صدمة كبرى، حين تدرك أن والدها لم يكن يريدها. الزهرة هنا انعكاس لطفولة جُرحت في كبريائها الأنثوي.
_أسلوب شِعري حميم_
كتبت العباسي روايتها بلغة فاتنة، تحمل نَفَس الشعر، مليئة بالصور البصرية والوجدانية. تعابيرها آسرة، مثل:
*“الحياة لها صوت، حتى الصمت له صوت، والموت أكثر ما أخشاه لأنه صوت لا يُسمع.”*
كما تُحسن الكاتبة الانتقال بين السرد الواقعي والتخييل الداخلي بطريقة سلسة دون افتعال، عبر أحلام، ذكريات، ومقاطع مونولوج داخلي.
*بعض العثرات*
رغم أن العمل يُحسب له فرادته، إلا أنه وقع في بعض المناطق البطيئة، وابتعد عن الحبكة الدرامية المتصاعدة. شخصياته الثانوية ظلّت في الهامش ولم تمنح النص تنويعًا في الأداء السردي.
_خاتمة مفتوحة على احتمالات النفس_
الرواية لا تقدم إجابة عن سؤال البطلة: “*متى سأصل لجنتي؟*”
بل تبقي القارئ في فضاء مفتوح للتأمل: هل جنتنا الحقيقية موجودة؟ أم نحن مجرد طيور تائهة في سماء مكتظة بالغربان؟
*ختامًا*
“*ثلاثة غربان فوق حقل القمح*” ليست رواية للترفيه، بل نصّ صادق وموجِع، يشبه رسالة طويلة كتبتها امرأة لنفسها قبل أن تنطفئ، وهذا ما اظنه واخاف ان يكون حقيقياً ويجعلني قلقاً على الكاتبة رويدا وليس على فوز..
رويدا العباسي وضعت اسمها ضمن قائمة الكاتبات العربيات اللواتي يملكن حساسية لغوية نادرة، وقدرة على التعامل مع النفس البشرية كمرآة مهشمة تجمع شظاياها بالكلمات.
*بطاقة العمل*
• اسم الرواية: ثلاثة غربان فوق حقل القمح
• المؤلفة: رويدا العباسي
• عدد الصفحات: ١٢٨ صفحة
• التصنيف: روائي نفسي-فلسفي
• اللغة: عربية فصحى
• التقييم: 8/10
* *توصية شخصية:* انصح بها وبشدة. فوز فتاة احلامي الرسمية الان، والكاتبة رويدا محظوظة لانها اصغر مني بعشرين سنة والا كنت اركض ورائها الان لاهثاً طالباً يدها للزواج!