قصر التيه
بقلم: أحمد النصار
لا أميل الى قراءة أدب الفانتازيا ، ولا يتفق مع ذائقتي الأدبية ، هكذا أخاطب نفسي كلما رأيت احتفاء البعض بمثل تلك النوعية من الروايات ، ولكن للناس مشارب مختلفة، والعقول مدارك متفاوتة،
والأدب أشبه مايكون بالمحيط الواسع، ولكل إنسان مطلبه من المحيط: رؤية واستمتاعاً وسباحة وسياحة، وصيدا وغوصا، وكل طرف يأخذ منه بقدر حاجته الملحة.
فلا أستطيع أن أنكر على الآخرين طرقهم فى اكتشاف المحيط، حتى لو كنت أرى أن الغوص فى أعماقه يعطى الفكرة المثلى والأصدق عن المحيط ( الأدب ).
عن الرواية:
الرواية مزيج من الغموض والفانتازيا والبوليسي، تبدأ بأحداث غامضة ، وتسير بإيقاع مثير، وتنتهي نهاية مربكة.
هي رحلة نفسية فلسفية تتوغل في أعماق الإنسان.وتناقش أسئلة وجودية .
حيث تضمنت بعض الأفكار الفلسفية والغيبية والمستقبلية :
- هل يمكن للأحداث أن تُكتَب قبل وقوعها؟ وهل يمكن لأحد تغيير ما كتب له؟
- قضية الجبر والاختيار ( أنا لم أختر شيئا ، لم أختر حتى أن أوجد على الأرض).
- إمكانية وجود عوالم اخرى موازية للعالم الذي نعيشه ، نظرية الكم ، نظرية الاوتار.
- زرع شرائح مغناطيسية للتحكم في إرادة وتوجيه الإنسان.
وقد تناولت هذه النقاط بدرجات متفاوتة بين التعمق والسطحية، أو بين التلميح والإشارة.
عنوان الرواية :
عنوان الراوية هو العتبة الاولى ودليل القارىء الى النص وله أهمية كبيرة في تشكيل الخطاب الروائي ، خاصة انه يشكل الرسالة التي يسعى الكاتب لنقلها الى القارىء ، وجاء العنوان غامضا ومثيرا وجذابا
يثير لدى القارىء شغف المعرفة والفضول.
ما هذا القصر؟ وماطبيعته ووظيفته ؟هل هو مجرد قصر عادي مسكون أم مهجور، وما المقصود بالتيه ؟ هل هو تيه حقيقي بمعنى الضياع ، ام تيه نفسي ؟
هذا ماسيتعرف عليه القارىء عند قراءته للرواية .
فكرة الرواية:
في مكانٍ لا يعرفه العالم، حيث الحدود بين الدول تصبح غير ذات معنى، يقع قصر التيه في منطقة بير طويل، حيث يختلط الزمان بالمكان ويغمرها الغموض. هذا القصر المهيب، الذي يدخله الكثيرون ولا يخرج منه أحد، ليس مجرد بناء ضخم… بل هو متاهة داخلية تعكس تيه النفس البشرية.
في “قصر التيه”، نلتقي بـ ياسين، شاب منعدم الطموح ، قليل الحيلة،فاشل مهنيا،فقير لايستطيع تكوين أسرة، يصل إلى نقطة اللاعودة، فيقرر الدخول إلى قصر التيه، حيث تكون خطوته الأخيرة: إما أن ينجو ويكسر قيوده النفسية، أو أن يظل عالقًا في عالمه الداخلي المظلم.
الشخصيات:
جزء رئيسي من جودة أي نص روائى هو التقاط الصوت الشخصي لأبطال العمل ، القدرة على تقمص الكاتب الشخصية والحديث بصوتها وفهم دوافعها حتى يتم عرضها بصورة حقيقية للقارئ ، وقد تم تمكن الكاتب في ذلك مع الشخصيات الرئيسية ( ياسين-نور-أحلام) ، ولكن غاب ذلك عن شخصيات ( أحمد - المعالج النفسي) ، حيث أنه لم يتضح لنا لماذا لم يكن هناك تأثير للأم على أحمد، مع انه نشأ في نفس البيئة والمؤثرات، وكذلك المعالج.
( ملحوظة: الشخصيات جميعها تعاني خللا نفسيا ، فهل هذا مقصود من الكاتب، حيث أنه مرض بالعصر ،نظرا للضغوط الكثيرة)
اللغة :
واحدة من أهم عناصر الرواية هي الاعتماد على لغة بسيطة خالية من المحسنات البديعية أو الجمل الموسيقية ، فجاءت لغة السرد الفصحى السهلة، وشابها بعض التكلف مثل:
- تسلل الهواء البارد الى جسده فانتعش، وشغله طيف أخيه فبكى وارتجف.
- اخترقت كلماته عقلها فوعته، وقلبها ففقهته.
- قسوته المتخيلة، وسطوته المتوهمة.
- لا يشعر بقلب أخيه المعتصر،لا يرى دمع أحلام المنهمر، لا يدرك شقاء نور المستمر .
السرد :
استخدم الكاتب تقنية تعدد الأصوات ، بينما يقوم الرواي الواعي باستكمال الفجوات في الأحداث وهذا يدل على تمكن الكاتب من أدواته ومهاراته الأبداعية.
جاءت النهاية مربكة، ومشتتة للعقل، وتحتاج الى التركيز، وربما بإعادة القراءة ،لتستوعب تداخل الأدوار والشخصيات.
ملاحظات :
١-ورد في مقدمة الرواية العبارة التالية :
(قليل ممن حدثتهم نفسهم بدخوله)علما أن كلمة نفس جمعها يأتي في حالتين وهما:
- إذ جاءت في السوال بمعنى الروح، فإن هنا جمع الكلمة يكون «نفوس».
- إذا كان المعنى هو الإنسان نفسه يصبح الجمع الخاص بها هو نفوس أو يكون أنفس
٢- تكرار العبارات التالية أكثر من مرة (:وأخذت أعدل من وضع نظارتي في توتر ، هناك نقطة مثالية على الأنف أحاول الوصول إليها)، ( ترك فك احمد يتدلى في بلاهة، وتدلى فكه السفلي في عدم تصديق)
٣- ذكرلفظ (المحلل النفسي ، الطبيب النفسي، المعالج النفسي ) ، علما أن كل منها تخصص ومهام مختلفة عن الاخرى .
٤- كانت مهنة نور المحماة التى تميز فيها وبرع ، ومع ذلك لم يذكر. مايدل على ذلك ،غير حفل افتتاح المكتب، ولم يكن لها أي تأثير في احداث الرواية، مع أن عمله كروائي هو المؤثر.
٥- لم أستسغ هذا التشبيه : فغادرت الرسالة الصوتية عبر الهواء تعلم وجهتها ، كما الرسائل في أقدام الحمام الزاجل.
٦- عبارة أصابتني بالارتباك : (أنا مجرد باحث علم النفس ، مدبلج في ناشيونال جيوجرافيك كاد ان يقول له أنه هنا ليس فقط لأنه صديق ياسين ، بل أيضا للبحث عن مجرم ) من هو ؟
٧- ذكر الرواى عن أحلام : رأته يتجهز لربطها في قائمة السرير :مع انه لم يرد ذلك النوع من الايذاء من قبل.
٨ - جاء على لسان سكرتيرة المطبعة : انها سمعت صوت فرقعة عالية ومفزعة ، وهرعت الى الخرج لتجد نفسها وسط جيرانها يحاولون فهم ماحدث ، ثم عرفت ان سبب ذلك( صاروخ ) من الذي يلعب به الصبيان في العيد، والسؤال هل انفجار صاروخ يلعب به الأطفال يحدث مثل هذه الفرقعة العالية والمفزعة!
وختاما:
أرشح هذه الرواية لمحبي هذا الصنف من الروايات ، حيث أنها ليست رواية فانتازيا او بوليسية غامضة، وانما رواية تتضمن فكرة فلسفية جديرة بالمناقشة والدراسة