مراجعة لرواية "اعتراف كامل" – تأليف: محمود أحمد فايز
لطالما وعدت نفسي بقراءة هذه الرواية، منذ فترة ليست بالقصيرة، بعد اشتراكي في تطبيق "أبجد"، تحديدًا في أعقاب فترة انقطاع طويلة عن القراءة، رافقها فتور في الشغف، وما يشبه "بلوك القراءة". فاخترت اعتراف كامل على أمل أن تعيد لي جذوة الحماس التي خفتت، وتوقظ في داخلي الشغف القديم الذي طالما وجّهني نحو الكتب.
ولا أخفي أن شهادتي قد تكون مجروحة؛ فالكاتب هو صديق عرفته منذ بداياتي الأدبية، وكان من أوائل من منحوني الدعم والتشجيع، ولا يمكنني نسيان احترامه الكبير لي وتقديره لمسيرتي. ومع ذلك، أترك مشاعري جانبًا وأتحدث عن العمل نفسه بكل موضوعية ممكنة.
هذه ليست أولى قراءاتي لمحمود أحمد فايز، بل الثانية بعد روايته السابقة نولد من جديد، والتي أعجبتني كثيرًا، بل وأثّرت في مفاهيمي الحياتية. وها أنا أعود لقلمه مرة أخرى، وقد اشتقت إليه بحق؛ ذلك القلم الذي يحمل نبرة خاصة، وصوتًا فنيًا يميّزه عن غيره، لأكتشف رواية مختلفة تمامًا عن أعماله السابقة.
افتتاحية تشويقية وأسلوب لغوي ناضج
افتتحت الرواية بمشهد في النيابة العامة، بأسلوب سردي يعتمد على اللغة العربية الفصحى الخالية من العامية، وهو ما منح السرد بُعدًا أدبيًا رفيعًا، يتماشى مع طابع الرواية البوليسي والاجتماعي. السرد يأتي بصيغة الماضي، دون الاعتماد على ضمير المتكلم، مما أضفى اتساعًا في الرؤية وعمقًا في تتبع الأحداث والشخصيات.
شخصيات معقدة وعلاقات متشابكة
تزخر الرواية بعدد كبير من الشخصيات، إلا أن الكاتب نجح في إدارة هذا التعدد بمهارة، فجعل لكل شخصية حضورًا مميزًا ومؤثرًا في الحبكة.
كامل: هو الشخصية المحورية، واسمه ليس مجرد اسم، بل يحمل دلالة رمزية على الكمال، وقد أحببت رمزيته هذه وتأثيره المتدرج في السرد.
أمينة: شخصية هشة وضعيفة، رسم الكاتب ملامحها الجسدية والنفسية بدقة متناهية، وسلط الضوء على ماضيها الذي شكّل جزءًا كبيرًا من معاناتها.
رشدي: شخصية قوية، قاسية، بل ونرجسية، تتجلى في سلوكياته صفات تجعل القارئ يشعر أنه ليس بشريًا في بعض مواقفه.
كما برزت شخصيات أخرى مثل الأمير عبد الله عيسى، وآدم مراد، وهشام النوري، التي أثرت العمل وأضافت له تنوعًا وتشويقًا.
حبكة متقنة وأجواء مشبعة بالتشويق
الحبكة كانت محكمة ومترابطة، رغم تشابك الخيوط وتعدد المسارات. أجواء الرواية تسير في إطار بوليسي – اجتماعي، يمزج بين الجريمة، والانتقام، والغيرة، والفقد، والغضب، مع إسقاطات إنسانية عميقة.
وقد أبدع الكاتب في توظيف عنصر الموسيقى، وتحديدًا الأغاني الأجنبية، بشكل فني رفيع، مما أضفى لمسة حسية على علاقة كامل بـ أمينة، وخلق جسرًا فنيًا عاطفيًا بينهما وسط عالم يموج بالتقلبات والانكسارات.
أسلوب سينمائي وعمق نفسي
من أبرز ما لفتني في الرواية هو الأسلوب السينمائي الذي اتبعه الكاتب في تصوير الأحداث، إذ استطاع تجسيد المشاهد بطريقة بصرية سلسة، وكأنه يكتب عدسة تتحرك بين الشخصيات. كما كانت مشاهد الملاكمة مرسومة بحس حركي عالٍ، جسّد الصراعات الجسدية والنفسية في آنٍ معًا.
العالم الذي تنقلك إليه الرواية هو عالم موبوء بالفساد، والجشع، والطمع، وخاصة في دوائر تجارة المخدرات، وقد عبّر الكاتب عن هذا الواقع من خلال صدمات نفسية متلاحقة يعيشها الأبطال.
نهاية صادمة واعتراف يعيد ترتيب الأحداث
النهاية حملت مفاجآت قاسية ومدوية، خاصة في قاعة المحكمة، حيث كان "اعتراف كامل" بمثابة المفصل الذي أعاد ترتيب الأحداث، وكشف الحقائق التي كانت مخفية خلف الكواليس. لم أتوقع تلك النهاية، وقد خدعني الكاتب ببراعة، وهذا ما يُحسب له.
أعجبتني الرمزية التي استند إليها في لعبة الشطرنج بين الملك والشعب، وجاء الكشف الأخير حول نسب "كامل" الحقيقي – من كونه في الظاهر ابن رشدي، إلى كونه ابن أمينة – ليشكّل لحظة درامية من العيار الثقيل.
خاتمة
أصفق للكاتب محمود أحمد فايز على هذا العمل المتكامل. لقد تطوّر أسلوبه بشكل ملحوظ، ونجح في تقديم رواية ناضجة، مشوقة، ومتقنة من حيث البناء واللغة والحبكة والشخصيات.
اعتراف كامل ليست مجرد رواية، بل رحلة إنسانية غنية بالمشاعر والتناقضات، كتبها قلم صادق يعي تمامًا كيف يصوغ تفاصيل الألم والحب والخذلان، ويحوّلها إلى نص أدبي يستحق القراءة.