"من لا يملك شيئًا لن يخسر شيئًا بسقوطه. وأنا لا أملك سوى لحظاتي هذه"
رواية بورتريه لابي العلا البشري للكاتب باهر بدوي عن دار الرواق للنشر والتوزيع.
هل جربت يومًا قراءة يوميات شخص مضطرب عقليًا في مصحة نفسية ولكن للعلم هي ليست مصحة نفسية عادية، فكل ما فيها أكثر اضطرابًا من النزلاء أنفسهم تقرأ وأنت لا تعرف إن كان ما أمامك حقيقة أم خيال!.
مريض يضحك قرب الجدار وآخر يبكي على سيناريوهات مجهولة لا يعرفها سواه، تختفي شخصيات وتظهر أخرى في مشاهد عبثية وغريبة، أطباء يدونون ملاحظات لا يقرؤها أحد ففي الليل تُغلق الأبواب على فراغ الوحدة والألم، وفي الصباح يُفتح الفراغ على أسماء جديدة أكثر جنوناً فكل شيء يحدث ولا يحدث!..
الناس مراوح والحياة مصحة نفسية، والنزلاء مجموعة من المرضى بأسماء غريبة، والممرضون يشبهون حراس أبواب السجن العسكري وتلفاز يثرثر على البطل الذي اسمه ليس زهران وكأنه يراقب أفكاره هلاوس من الشاشة ومجازيب يتفاعلون مع مع احوال البلاد وحرب العراق وسقوط بغداد، فتكون المصحة جزء من الواقع الخارجي
يثور سكان المصحة على النظام الحاكم فيها، ويعرضون مسرحية لأهاليهم تكشف الفساد الذي يدور خلف جدرانها من اختفاء زملائهم المفاجئ وعهر الممرضين وفساد وسرقة الدكاترة لحق النزلاء وتعرضهم للجوع والتعنيف، لكن السؤال هنا هل ما نراه على لسان هؤلاء المجانين حقيقة، أم أنه من وحي خيال الأستاذ صابر أبو اللبن الذي يكلم أمين سنقر خلف الجدار؟
حكاية سريالية عبثية مكتملة الأركان، لا تعرف فيها أين ينتهي الواقع وأين يبدأ الخيال، وربما هو واقع نعيشه نحن في جدران أخرى لا ننتبه لها وربما لا نعرف عنه شيء، أجاد الكاتب رسم التفاصيل بعبثية تليق بالأحداث، وبلاغة تسير على نفس الإيقاع المجنون، وشخصيات مكتوبة بإتقان وبراعة في رسم ملامحها وإيصال جنونها للقارئ.
الإيقاع في الرواية متوازن لا يترك مساحة للملل رغم تعقيد الأفكار والموضوعات المطروحة بعبثية تليق بالحياة النهاية تركتني معلقة بين ما حدث حقيقي وما لم يحدث من الاساس كأن القصة لم تنته بل بدأت للتو، استمتعت بصحبة العمل قرأته على مهل وفي نفس الوقت بشغف فلم أرغب أن تنتهي الحكاية ولا أن أؤجل قراءتها، أنهيت الرواية وظللت أنظر حولي قليلًا أتفقد الجدران، وأنتبه أن التلفاز ما زال يثرثر في الخلفية، وكأنني لم أغادر المصحة أصلًا، وأدركت ان الجنون أقرب إلى واقعنا أكثر مما نتصور..

