رواية نمزكان لياسر الغسلان كانت بالنسبة لي آلة زمن أعادتني، لا فقط إلى الماضي، بل إلى أعماق الوعي، وكأنها رحلة لاواعية استحضرت عظام الأدباء والكتّاب الذين تركوا بصمتهم في الذاكرة الثقافية. شعرت أن آدم – بطل الرواية – لا يسافر عبر آلة زمن تقليدية، بل عبر عقله اللاواعي، كما نفعل نحن حين نغذي عقولنا بالكتب، لتتحول المعرفة إلى حدس نستخدمه دون أن نشعر.
الرواية مليئة بالتساؤلات الذكية: لماذا نقرأ؟ لماذا نكتب؟ كيف تتكوّن شخصية الكاتب؟ كيف تتشكل روح القارئ؟
وقد أبدع الكاتب في تجسيد هذه الأسئلة من خلال شخصياته، خاصة “عبير” التي رسم تعقيدها النفسي وتطوّرها بشكل مدهش، و”غالية” الشابة الطموحة التي كادت أن تفقد شغفها في البداية، لكنها ظلت تبحث عن صوتها.
أما آدم، فعشقه للكتابة والقراءة لم يوقفه عن التطور، بل أدرك أن الكاتب لا يبلغ الكمال، وأن كل ما يكتبه هو محاولة لتكوين بصمته الخاصة. فمهما قرأنا وتأثرنا بالعظماء، تظل الكتابة مجالًا شخصيًا، محيطًا من الخيال والأفكار، لا يُخاض بنفس الطريقة مرتين.
الرواية غيرت نظرتي للكاتب وللرواية نفسها. أدركت أن الرواية ليست مجرد حكاية تُروى، بل تجربة عميقة تتقاطع فيها المشاعر والمعرفة والتخييل، وكل قارئ يعيد تشكيلها بطريقته.
نمزكان لم تكن مجرد قراءة، بل صحوة فكرية وشعورية أعادت تعريف الرواية في عيني.