شجو الهديل > مراجعات رواية شجو الهديل > مراجعة ماجد رمضان

شجو الهديل - جار النبي الحلو
تحميل الكتاب

شجو الهديل

تأليف (تأليف) 3.7
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

جار النبي الحلو... كاتب وروائي لا يعرفه الجيل الحالي

ولد في عام 1947م، في مدينة المحلة الكبرى، نشر أول قصة بجريدة المساء عام 1970، تنوعت أعماله ما بين الرواية والقصة والمسلسلات الاذاعية والتليفزيونية فمنها:

القبيح والوردة ـــ طعم القرنفل ــ حلم على نهر ــ العجوزان ـــ حجرة فوق السطوح ــ عطر قديم ـــ قمر الشتاء وكتب للأطفال: محاكمة في حديقة الحيوان ــــــ قط سيامي جميل ــــ الكتكوت ليس كلبا

وحاز على الكثير من الجوائز وشهادات التقدير.

وعن سر تسميته بـ " جار النبي" يقول: ذهبت جدته لأداء فريضة الحج عام 1946، وهناك أقامت في خيمة، وقام على خدمتها شاب حجازي اسمه " جار النبي" فأحبت جدته اسمه، فلما عادت الى مصر كان الاسم من نصيبه.

"شجو الهديل"، معزوفة سردية شديدة العذوبة والشجن، والشجو قاموسًا هو الهم والحزن، وفي المثل: «وَيْلٌ للشَّجِي من الخَلِي». أما الهديل فهو صوت الحمام، أو فرخ الحمام. والحَمام فى الرواية يعبر عن «الونس» والحنو.

فالحمام بهديله غيّر العمارة بأكملها، وأشاع البهجة. ولكن للأسف هذا " الهديل الممتع" فى الوقت نفسه أزعج آخرين منهم صاحب العمارة، وتحول إلى " شجو" وإلى حزن وغم، فالهم قاسمًا مشتركًا بين شخصيات الرواية.

استلهم الأديب جار النبي الحلو فكرة الرواية من أحاديث الهواتف المتسربة إليه عبر النوافذ والشرفات التي تطل على بيوت الجيران، واستطاع أن يصنع من هذه الأحاديث العادية والمكررة كل هذا الشجن والعذوبة؟

الرواية شديدة التكثيف والاقتصاد اللغوي، تتميز بالبساطة الظاهرة، واللغة الآسرة، وذلك المزيج الذي تجد فيه موسيقى الشعر، الذي يتهادى طوال صفحات الرواية، رواية تتضمن مجموعة من المشاهد، اللقطات، تعتمد الصورة والحدث لذلك فهي لا تحتمل إفاضة لغوية.

والرواية منذ الصفحة الأولى تنجح فى الاستحواذ على القارئ لأنها تقوده إلى مساحة جديدة تجرى فيها الأحداث وهي " المنور" الذي تحول فجأة إلى محط اهتمام سكان العمارة الأول، الجميع مشغول بمعرفة كل شيء عن بالشخص الغريب الذي استيقظوا يومًا ليجدوه وقد اتخذ من منور العمارة مسكنا.

توزّع السرد بين المتكلم والغائب، بين سرد راوٍ عليم، يبدو أحيانًا كأنه أحد شخصيات الرواية، وسرد ذاتي تتولاه هذه الشخصيات.

(الحكاية بدأت ذات صيف، وهذا الاستهلال يسرده" فتحي عزت"، قبل أن يتسلم زمام السرد الراوي العليم: في البداية كان مذعورًا من المكان، يدعك عينيه ليرى. صاحب البيت قرر، أن يرميه في المنور ليلقط رزقه).

وكذلك نجد الراوي العليم يخاطب القارئ مباشرة على الطريقة الشفاهية في أحد مواضع السرد بضمير الغائب، متحدثًا عن حنان ابنة مالك البناية: بصفتي الراوي العليم أعرف أنها بالأمس وبعد أن نامت أمها وآمال نهضت في غضب وفتحت درج مكتبها وأخرجت خطابات حازم. مزّقتْها ورمتْها في سلة الزبالة. في اللحظة نفسها دخل عبد السلام المنور ومعه جزار ليذبح العنزة.

والمتكلم في الرواية ليس شخصا واحدا، لكنه شخصيات عديدة، يجمع بينها صيغة البوح والكشف والتخييل.

وقد يرد هذا التوزّع بشكل متوال، كما في الفصول الأولى، وقد يرد بشكل غير متوال. فقد نجد في الفصول الأخيرة جزئيات سردية متوالية مرتبطة بالغياب، تردفها نتف أو جزئيات سردية مرتبطة بالمتكلم.

ولهذا التوزع بين الضميرين السرديين دلالات ووظائف عديدة، ولكن أهمها يتمثل في الفارق بين رؤية الذات ورؤية الآخر لها.

مما يلفت النظر أن الشخصيات ظهروا كمجموعة غير قادرة على الفعل، أو على الارتباط بوجه واحد، فهي موزعة بين نمط ريفي، وآخر حضري، ولا تقدر على الحسم أو الاختيار النهائي بينهما، فكأنها شخصيات فقدت بوصلتها التي تعبّد لها حركتها نحو القادم، ولم يتبق لها سوى ذلك الشجو، فالشجو هنا يكفل مساحة للاستمرار والتحمل لواقع لا يستجيب بسهولة لآمال الشخصيات المطروحة للتحقيق في النص الروائي.

وهذا ما نراه في شخصية "آمال" وهي تهفو إلى أحلامها وتكاد ترقص وتغني لكن أحلامها تطير في الفضاء. أيضاً "سهير" التي يشملها المرض وتنظر بعين مهمومة إلى أمها السمينة المسكينة، تنظر بعين حب بلا أمل، حتى" فتحي" أحزانه لا تتوقف عند مكان ينام فيه أو حمامات أحبها أو عنزة يرعاها، لكن إحساسه بالمطاردة يداهمه في كل آن. هذا هو الشجن إذن، والهديل يتحول إلى أغنيات ذات إيقاع حزين، ومواويل تهفو إلى حياة. إنها محاولة للاقتراب بحذرٍ من الهديل، لكنه يتردد في شكل شجو. 

ولكن يؤخذ على الكاتب أن بعض الشخصيات غير كاملة الملامح، فشخصية مثل شخصية الشيخ علي التي تعطي دلالات راهنة خاصة بالأيديولوجيات وتعددها وأثرها السلبي، وكذلك شخصية عماد فليس هناك رصد كامل لملامحها، بل هناك محاولات جادة للتقريب من الشخصية.

وقد استعان الكاتب بتقنية الحلم لتنويع طرق السرد: رأى فتحي في المنام الحمامتين تحلقان في السماء. استيقظ. أمسكهما ثم صعد إلى السطح وأطلقهما. اختفت الحمامتان بين سحب داكنة لم يرها في المنام». لكنهما سرعان ما عادتا إلى المنور. أما «آمال» فلاحظت أنها بدت في اللوحة التي رسمها لها «أصغر عمرًا، أكثر بهجةً، غير أن ألوانها داكنة». فيما كانت الحاجة نعمات، الموظفة الكبيرة، تعاني من الغلاء الذي بات يضرب كل شيء، ثم تجد نفسها غير قادرة على الوفاء بإيجار الشقة التي تسكنها مع ابنها الصبي، الذي لم ير أباه مطلقا؛ لأنه كان ابن سبعة أيام فقط عندما غادر الأب البيت. كانت ترفض أن تطلب من المحكمة الطلاق من الزوج الغائب، على أمل أن يعود يومًا ما. لكنها أصرّت في النهاية أن تفكر جديًّا في الحصول على الطلاق ومن ثم الاقتران بزوج جديد يعينها على أعباء الغلاء التي لم تعد قادرة على التصدي لها وحدها

وتميزت اللغة بالبساطة، يأخذ من فصحى الكتابة، ويأخذ من عامية متداولة وفصيحة فى نفس الوقت، دون ثرثرة، أو إسهاب، لا يفلت إيقاع الفقرة، ولا يتجاهل شاعرية الصورة، ولكن بعيدا عن الاستغراق والاستطراد.

فصل «الصدي» كان لافتا فى الرواية لكونه مجرد مكالمات ،بها كثافة فى اللغة والأداء وكاشفة للشخوص.

ويختم الاديب الرواية بنهاية مفتوحة. فكل الحكايات لم تكتمل أو يكتب لها نهاية، وما بين البداية والنهاية، تتداخل الأزمنة وتتنوع أساليب السرد: استرجاع، تضمين، وتناصّ، وتَتتابَعُ المشاهدُ بما يشبه التقطيع السينمائي.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق