1️⃣ الموضوع : قراءة نقدية
2️⃣ العمل : رواية " حين يراقصني الموت"
3️⃣ التصنيف : تاريخية ـ نفسية ـ فلسفية
4️⃣ الكاتبة : إسراء حمدي
5️⃣ الصفحات : 197 Abjjad | أبجد
6️⃣ سنة النشر : 2025 م
7️⃣ الناشر : المحرر للنشر والتوزيع
8️⃣ التقييم : ⭐⭐⭐⭐
ـ أجواءٌ مشحونةٌ بالقلق، مختومةٌ بالأرق، يُسْرُها عسير، ويسرُها مرير، وحُلوُها مرار، ومُرُّها شرار ،
لا يكادُ يمرُّ اليومُ إلا بسماعِ ما يُؤرِّق مضجعَك، ويُؤذي مَسمَعَك ، ومالا يرضيك ربما هو يفجعك !
ـ والحقُّ، فإن مثلَ هذه الأجواءِ تحتاج إلى أمرين:
الأول: هو اللجوء إلى مالكِ الملكِ والملكوت، الحيِّ الدائمِ الذي لا يموت.
فكما قيل في الأثرِ لأحدِ الصالحين:
"كيف ننجو من سهامِ القدر؟"
قال: "أن تكون بجوار الرامي."
وهذا يحتاج إلى قلبٍ سليمٍ، مُغَلَّفٍ بالنور؛ اللهُ أسألُ أن يرزقنا إياه.
أما الأمر الآخر: فهو العزلة ، فهي في الفتنة جنة ، كما يقول الأديب كمال علي كمال
ولا تكون الأخيرةُ ذاتَ أثرٍ ينعكس صداها على الروحِ والبدنِ والنفس،
إلا إذا كانت مع كتابٍ تقرأه.
وقد كان.
ـ وهذا الاختيارُ وقعَ على روايةِ "حين يُراقصني الموت"
للكاتبةِ المبدعةِ الخلوقةِ/ إسراء حمدي.
تفنَّنت إسراءُ في أدبِ الرعبِ وعالمِ "الماورائيات"،
وأنتجت جلَّ منتوجاتها الأدبيةَ في هذا الصدد،
إضافةً إلى بعضِ المترجَماتِ التي تميلُ أيضًا إلى هذا النوعِ الأدبي.
وفي مفاجأةٍ منها لقرائها ومحبِّيها،
كان هذا الإنتاجُ الجديدُ في نوعٍ أدبيٍّ مخالفٍ لما عهدناه منها،
نوعٌ أدبيٌّ يصعب توصيفُه،
لأنه اشتملَ على جُملةٍ من الأنواع؛
كونه تاريخيًا، اجتماعيًا، توثيقيًا، نفسيًا، سياسيًا، وكثيرًا.
"حين يُراقصني الموت" هي روايةٌ للكاتبةِ صدرت عن دارِ المحرر للنشر والتوزيع ، في معرض 2025 للكتاب،
وهي أولى مؤلفاتِ الكاتبةِ نزولًا على تطبيق "أبجد" للقراءةِ الإلكترونية،
ذلك الأمرُ الذي جعلَ هذه الروايةَ تصل إلى أيادٍ كثيرة؛
كانت تتوقُّ لقلمِ الكاتبة، وأنا منهم.
ولذلك، فتلك أولى قراءاتي للكاتبة.
دهشةٌ أصابتني، ورعشةٌ حصلت لي من هذا المنتوجِ البديع ، لغة ما أقواها ، وحبكة ما أحكمها ، وقصة ما أجملها ، وبعداً ما أعظمه ، رائعة البنيان ، شديدة الأركان ، قيمة المعان .
روايةٌ مرسومةٌ بدقةٍ وبحكمة؛
فكرتها عبقرية، وكلماتها استثنائية،
وطريقةُ عرضها سديده ، ورؤيتها فريدة،
تجعلك تعيش في عالمها، ولا تُحبُّ أن تخرجَ منه،
رغم كونك تنتقده وتُنعِتُه بأبشعِ النُّعوت.
عادت بنا إلى هناك،
إلى حيث الزمنُ الغابرُ في فرنسا،
زمنُ المحاكمِ التفتيشيَّة، زمنُ الظلمات،
زمنٌ يُؤكِّد أن النفسَ البشريةَ هي أسوأُ نفسٍ على هذا الوجود،إذا تنصّلت من فطرتها الأساسية،ترى منها عجبًا.
زمنُ المحاكمِ التفتيشيَّة،
باسمِ الدين، وباسمِ الكنيسة،
يتمُّ فيه القتلُ والتجويعُ والتخويفُ والحرقُ،
والترهيبُ والتبديدُ والإفقارُ والإعصارُ والدمار.
زمن المحاكم التفتيشية
باسمِ الدينِ والكنيسة،
تُقسَّمُ الناسُ إلى طبقاتٍ عليا ودنيا،
طبقاتٍ سامية ، وأخرى فانية.
زمن المحاكم التفتيشية
باسمِ الكنيسةِ والدين،
كان النبلاءُ ذوو الأصولِ السامية،
وكان الفقراء أو العامةُ خدمًا، بل أقلَّ من الخدم،
لا قيمةَ لهم مجتمعين؛
أقلُّ قيمةً من حيوانٍ لأحدِ النبلاء.
قصةُ ماريان ولوترمان والأب ليوني وغيرهم،
قصةٌ تكررت كثيرًا في مثلِ هذا الزمن،
وهي واحدةٌ من مئاتٍ وآلافِ القصصِ أمثالها.
ولكن تأتي هنا الكاتبةُ بحبكةٍ استثنائية،
أحاطتْها بسياجِ القوة، والمرونة والرقة
وبنتْها بقوالبِ الفنِّ والإبداع والدقة.
▪️الحبكة والبناء الدرامي:
ـ تتناولُ الروايةُ أحداثَ فرنسا قبلَ عامٍ من الثورة، ثم تعودُ رويدًا رويدًا إلى الوراء حتى تكشفَ أحداثًا فظيعةً حدثت وكانت هي وقود هذه الثورة من خلال بناءِ قصةٍ متعددةِ القصصِ والشخصيات؛
الأبُ ليوني والعرافة لوترمان، والفلاح فيكتور، وماريان ، وغيرهم من ذوو الأثر الكبير.
ـ نسجتْ هذه القصةَ كخيوطِ العنكبوت، واهية المظهر ، رائعة الجوهر ، وأعني بذلك أنها بين الكتبِ والرواياتِ مكرورة، وفي كثيرٍ من المقالاتِ مذكورة؛
فهل هناك جديدٌ قد أضيفَ، ربما يُكمِن الجديدُ من وجهة نظري في المعنى العميق للنص،
فإن النصَّ آتاني بظاهرٍ عجيبٍ وباطنٍ أعجب، وقعٍ غريبٍ وواقعٍ أغرب،
تخللَ المرادُ منه إلى روحي ، وأرضى طموحي ، بعد الوصول إلى منتصف العمل ، مرادًا ذو توريةٍ شديدةٍ، ومعان عديدة
نصًّا ظاهرًا تاريخيًا ،ولكنه يشيرُ ويريدُ في معناه الباطني الواقع؛
وعلى يقينٍ، فقد أرادتِ الكاتبةُ أن تسيرَ في فلكِها وأن تضبطَ للقارئ رؤيةً تراها أهدافًا حاولت المرور عليها والوصول إليها من خلال هذا العمل،
ـ ولكن تأتي النهايةُ سريعًا جدًا تُظلم كلَّ المقدمات وكلَّ الرؤية السابقة،
وإن كانت تحملُ دهشةً وآثارًا وعبقرية؛
إلا أن سرعتها الشديدةَ كانت محلَّ نقدٍ كبيرٍ،
فالنهاية عند القارئ ، وعند هذا العمل الذي يتكلّم عن الظلمِ والقتلِ والبشاعة، و و و ...
هي أهمُّ ما ينتظر من تحقيق العدالة، وإن اختلفت صورها،
ولكن كان وقعُها بسيطًا بما لا يتوائمُ مع قوةِ وجماليةِ وكماليةِ العمل.
▪️اللغة والسرد والحوار:
ـ اللغة: العربيةُ في العمل قويةً جديرةً بالاحتفاءِ والإشادة، بين السلسة والقوية، بعيدةً كل البعد عن الخللِ والترابِ والعلل؛
جاءت لتؤكدَ أن الكاتبةَ تمتلكُ من المفرداتِ والأدواتِ اللغوية ما يؤهلها لما تكتب، وينبئُكَ بنبوغِ قلمٍ متميّزٍ يستطيعُ تطويعَ الكلماتِ والمفرداتِ والألفاظِ ليصلَ بك إلى المعنى المرادِ بقوةٍ وجزالةٍ وبيانٍ وفصاحةٍ ودقة.
ورغم ذلك كله، فلم تخلُ الروايةُ من كثيرٍ من الأخطاءِ الإملائيةِ والنحويةِ التي من السهلِ تلاشيها بالتدقيقِ الجيد.
ـ السرد: على نفسِ الوتيرةِ الفصيحة تعددِت فيه الأصواتِ السردية وتنوعِ العرض، إلا أنه ثبتَ على القوةِ والانسيابيةِ والاتساق، بل وجاء متباينًا بتباينِ الأصواتِ، متناغمًا معها، وواقعيًا، ومشهدًيا، وتصويرًا، وتدويرًا، وتحويرًا، وتقريرًا، وتأثيرًا.
ـ الحوار: ثم كانت الحواراتُ، رغم قلَّتها، إلا أنها جاءت بذاتِ القوةِ والفصاحةِ والبيانِ والجمالِ والانسيابيةِ السردية، متناغمةً ومتوافقةً مع الأحداثِ والشخصياتِ، وواقعيةً لا تخرجُ عن الصورةِ التي رسمتها الكاتبة ولا تحيدُ عن فكرتها.
▪️العرضُ التشويقيُّ:
مميزٌ جدًا في روايةٍ تاريخيةٍ من جانبٍ اجتماعيٍة وسياسيٍّة من أخرى ، نفسيةٍ عميقة فلسفية من ثالثة؛
كانت تتلألأ تشويقًا وإثارةً ومفاجآتٍ من أولِ العملِ إلى منتهاهِ،
بل إن الكاتبةَ أبدعتْ حين جعلتِ القارئ متفاعل مع النصِّ ويحاولُ التكهنَ بالنهاية، وإن كانت ظاهريةً، إلا أنها مخالفةٌ لكلَّ التوقعات،
فقلبتْ ودارتْ وحورتْ وبدَّلتْ وعدلت واوجزتْ وأنجزتْ، فأطربتْ وأمتعتْ وأقنعتْ واشبعتْ.
▪️اقتباسات:
❞ لكن، من يقوى على مواجهة القدر إذا أراد كشف ستاره؟! ❝
❞ أين العدل في بلدة أبى كل أحمق فيها إلا أن يعيش ذليلًا، مسلوب الحرية! فباتت القصور الفارهة تحت إمرة الصعاليك، بينما أسياد القوم -خلقًا وعلمًا- خدام فيها. ❝
❞ الظلم زائل والإنصاف قائم، وأن سحب الظلام ستنجلي يومًا ليقص التاريخ حكاية، روتها "مِقصلة العدل" الباقية، بينما اندثر أبطالها وباتت ذكراهم مجرد كلمات، خُطت فوق بضعة سطور ❝
❞ فلكل داء دواء إلا العبودية، إن تملكت من نفسٍ أهلكتها، وإن تسربت بين العقول أفسدتها، وإذا توغلت في روحٍ أزهقتها، حتى إن قُدر لمعتنقها الشفاء بأثمن العلاجات، تكالبت عليه معتقداته الراسخة "فأبطلتها". ❝
#أبجد
#إسراء_حمدي
#حين_يراقصني_الموت
#مراجعات_محمود_توغان