❞ افعل ما تريد، ولكنْ لا تكذب! فليس في الدنيا ما هو أسوأ من الكذب عندما يكذب الإنسان، فإنّه يضطرّ إلى أن يكذب كذبةً أكبر حتّى يغطّي كذبته تلك، ثمّ يكذب كذبةً أُخرى أكبر منها حتّى لا تنكشف تلك الكذبة كلّ كذبةٍ تولّد كذبةً أُخرى أكبر؛ لهذا لا تكذب! ❝
ها أنا أذكرك يا بلال الأن، وبعد قراءة التغريبة البلالية وفي احضان الكتب بخمسة أعوام، انا هنا مع أول اعمال عزيز نيسين وأشهرهم على الإطلاق، لقاء طال إنتظاره وطال البحث عنه بين اسوار الأزبكية والكتب المستعملة وشوارع وسط البلد، وطرقات المثقفين والمشعوذين في قاهرتنا، باحثاً مثابراً على أحد اعمال عزيز نيسين التركية، ولم اجدها، ولذلك اخذت عهداً بداخلي، وعهداً لبلالنا إنني سأتلقي بأحد أعمال عزيز نيسين يوماً ما، وإذا سنحت الفرصة لن اتعلثم بها.
وفي صباح بارد من ليالي فبراير، وجدت رسالة ترويجية من "أبجد" تدعونا إلى اكتشاف عالم عزيز نيسين، لم اتردد لحظة وبدأت بأول اعماله أطفال هذه الأيام الرائعون، دون اي معلومات مسبقة عنهاً..
❞ يجب أن تحدث مع الإنسان حادثةٌ مؤلمةٌ حتّى يشعر بعذاب الضمير. عليه أن يشعر بالندم بسبب هذه الحادثة. يجب أن يعاني شخصٌ آخر غيره بالألم بسببه هو. ❝
ولذلك وجدت عالم عزيز نيسين في غاية الروعة، والرقة والعذوبة. في لقاء مع رائد الأدب التركي الساخر، والناقد الأهم في عصره، الذي غير اسمه من محمد إلى عزيز خوفاً من الملاحقة القانونية والإعتقال السياسي، وبعدما قرأت نعم أدركت اسباب فعلته.
فهو يملك قلم ساخر ناقد متكامل الأركان، يتوغل في كل الافكار ويبني شخصياته واهدافه بشكل مخضرم، فما بالك إذا كان ذاك النقد على لسان اطفال هذه الأيام الرائعون؟
هكذا قرر عزيز نيسين، أن يضع نفسه مكان اطفالنا، ولأنه نسى طفولته وابائنا نسوا طفولتهم، وامهاتنا ينسون طفولتهم، ورجالنا وشبابنا وزعمائنا جميعهم ينسون طفولتهم، قرر عزيز نيسين أن يضع الأطفال كالكبار، ناقدون، مفكرون، مثقفون، من رؤيتهم الصغيرة إلى العالم الواسع. وهنا تكمن عبقرية تلك الرواية.
❞ أكبر فرقٍ بين الكبار والأطفال هو الآتي: مع تقدّمكم في العمر ستصبحون مثلنا، وتبتعدون شيئاً فشيئاً عن فطرتكم ❝
تلك الرواية التي تحتوي على مجموعة رسائل بين زينب يالكر وأحمد اصدقاء الأمس في الصف الخامس الابتدائي، وفرقتهم فرصة العمل المتفرقة لأهلهم بين أسنطبول وأنقرة. فهي كنوع من أدب الرسائل، ونوع اخر من الروايات، فهي نوع مميز، هي نوع عزيز نيسين وكفى، لا يكفي تحليلها وحدها بل يجب أن تذكر أنها فقط لعملاق الأدب التركي عزيز نيسين حتى تدرك اهداف تلك الرواية.
"❞ ليس من الطبيعيّ أن يتكلّم الحمار بينما يحمل الإنسان الحمولة، ولكنّ بعض الناس يُعجبون كثيراً بكلام الحمار، مع أنّ الطبيعيّ هو أن يتكلّم الإنسان، بينما يحمل الحمار الحمولة. ❝
وهنا تكمن العبقرية، فهي واحدة من أفضل ما قرأت حتى الأن على لسان الأطفال، وإن كنت قرأت الكثير والكثير من روايات ابطالها أطفالاً صغاراً أو كتاب يتحدثون عن طفولتهم، على سبيل عالم فرانشي وثلاثية زيزا شهيرة الأدب الللاتيني. ولكن عزيز نيسين يقدم نوع مختلف أخر، نوع من الأدب الساخر الخالد الذي سيعيش عمراً وملائم لكل العصور بلا شك.
❞ لا يمكننا معرفة السعادة التي نحن فيها. فقط عندما نبتعد عمّا نحن فيه، ندرك أنّنا كنّا نعيش في سعادة ❝
وعلى الرغم من سخرية الرواية، إلأ أنها لا تخلو ابداً من المشاعر، فأستذكر الأن أكثر من موقف، اقتربت فيه الدموع من عيني، ووجدت في قلبي غصة مما اقرأ، وعلى الرغم من الفكاهة الواضحة فيها، إلا إنها لا تخلو من بعض الاحزان لفقراء الشعب التركي وشعوب العالم أجمع، ويستطيع عزيز نيسين أن يشاور على تلك المشاعر بشكل رائع، أضحكهم وأبكاهم في حين واحد.
❞ ليس سهلاً على الإنسان نسيان ما تعلّمه في الماضي أبداً ❝
وربما بالنسبة للقراء المصريين جميعنا نعرف كم كان يحب بلال فضل عزيز نيسين، ويتحدث عن كتاباته بشكل متتالي، بل كتب عنه في أحضان الكتب وتحدث عنه كثيراً، وتحدث ايضاً عن ذلك في قناته على اليوتيوب، فأنا هنا الأن، يا بلال أقرأ عن ما كتبت لأخبركم كم كانت محظوظة تركيا بعزيز نيسين، ومحظوظون نحن ببلالنا للأبد.