في دهاليز التاريخ العميق واسرار الاساطير الكبرى تكمن حكايا تلامس اوتار الخوف والترقب في النفس البشرية. حكايا عن اقوام غامضة وحواجز عظيمة ونهايات محتملة.
يأتي كتاب الدكتور اسامة الشاذلي "يأجوج ومأجوج لقاء مع ذي القرنين" كرحلة فكرية جريئة تأخذنا الى قلب واحدة من اعظم هذه الاساطير. لكن اياك ان تظن انها مجرد اعادة سرد للمألوف.
هذه ليست قراءة عادية بل مغامرة استكشافية بحثيه تكسر الحواجز بين المألوف والمجهول. يستلهم الكاتب من القصة القرآنية العظيمة لينسج عالما معقدا يمزج ببراعة لا نظير لها بين الدين والتاريخ والاسطورة بل وحتى العلوم الحديثة كالجغرافيا والجيولوجيا.
بأسلوب يتدفق سلاسة يجمع بين السرد الروائي المشوق والتحليل المعرفي العميق يسير بك الكتاب عبر دروب الغموض والتشويق. يقدم عالما خفيا لا تعرف اين ينتهي الواقع ويبدأ الخيال.
لكن الجمال الحقيقي يكمن في عمق الرسائل والتساؤلات التي يطرحها. الكتاب ليس مجرد بحث علمي بل تأمل في جوهر الوجود الانساني. يضعك وجها لوجه امام سؤال وجودي:
هل الاساطير الدينية مجرد رموز ام حقائق طواها النسيان وتحتاج من يكشف عنها؟
براعة الدكتور الشاذلي تتجلى في توظيفه المدهش للموروث الديني بذكاء يحافظ على جوهره دون مساس بالعقيدة وفي نسجه المتقن للخيال العلمي مع الروحانيات بأسلوب ناضج وعميق. يقدم حبكة مشوقة تحمل في طياتها اسقاطات فكرية وفلسفية تدفع العقل للتأمل.
هذه الدراسة النقدية التاريخية ليست قراءة عابرة بل تجربة فكرية حسية تتركك في حالة من التوتر الفكري الوجداني حتى الصفحة الاخيرة. انه عمل غامض عميق يمزج بين اصالة التراث وجرأة الخيال وصلابة الواقع العلمي. حتى التأريخ الجيولوجي للأرض تجده حاضرا بدقة ضمن سياقه السردي.
لمن يبحث عن عمل يثير العقل ويشعل الفضول ويجرؤ على الغوص في اعمق اسرار النفس والتاريخ والوجود هذا الكتاب دعوة لا تُفوّت. انه يطرح الاسئلة تاركا للقارئ مساحة لا نهاية لها للتأمل والتفكير.