رواية "صالون غريب" تأليف يحيى صفوت
دار النشر: دار كيان للنشر والتوزيع
بدأتُ قراءة هذه الرواية بعدما لاحظت إشادة واسعة بها في مجموعات القراءة، وقد انتابني فضول شديد لاكتشاف محتواها، إذ تُعد هذه تجربتي الأولى مع هذا النوع من الروايات.
قررتُ البدء برواية رشّحها عدد كبير من القرّاء وتحدثوا عنها بحماس شديد في مجموعة "فنجان قهوة وكتب"، مما دفعني لاختيار "صالون غريب" للكاتب يحيى صفوت. في الواقع، أثار العنوان الغامض فضولي، وأردت اكتشاف السر الكامن وراءه ومعرفة الحكاية التي يخفيها.
استوقفتني غرابة السرد الروائي، الذي امتزجت فيه اللغة العربية الفصحى بالحوار العامي، بأسلوب فصيح. وعلى الرغم من أنني لا أفضل استخدام العامية في هذا النوع من الروايات، فإنها بدت منسجمة أحيانًا مع مجريات الأحداث، وأسهمت في إيصال المعنى وإضفاء جو من التشويق والرعب. كما أن الفكرة جاءت مختلفة وغريبة، مما أضفى أبعادًا من الغرابة والخوف النفسي.
سارت الرواية بأسلوب دائري، من خلال التنقل ذهابًا وإيابًا سبع مرات، تُروى خلالها سبع حكايات مختلفة على لسان الحلاق الذي يُدعى "غريب". وقد امتزجت هذه القصص بالخيال، وأثارت في داخلي تساؤلات عديدة.
في البداية، ظننت أن عنوان الرواية "صالون غريب" يشير إلى "غريب" كفعل مضارع، غير أنني اكتشفت أثناء القراءة أن "غريب" هو اسم الشخصية الرئيسية.
تجمع الرواية بين الطابع الاجتماعي والخيالي، وتُصنَّف ضمن أدب الرعب النفسي والغموض، وتدور أحداثها في عالم موازٍ لا يمت إلى الواقع بصلة، بل يقترب أكثر من الخيال والهلوسات البصرية.
تعكس كل قصة في الرواية نوعًا من الرعب النفسي، وقد برع الكاتب في رسم الشخصيات والمشاهد بأدق التفاصيل، مما تطلّب تركيزًا عاليًا أثناء القراءة. وبالفعل، كانت تجربة مُرهقة ذهنيًا، بسبب كثرة التساؤلات والحيرة التي أثارتها.
في كثير من الأحيان، وجدت صعوبة في التمييز بين الواقع والخيال، حتى أيقنت أن الرواية تسلك منحًى أسطوريًا. وتدور الفكرة حول لعنة تُعيد الأحداث سبع مرات، وهو ما يحدث مع شخصية "فتحي" وزوجته "زينة".
تتكون الرواية من سبع حكايات تُروى بأسلوب متداخل يشبه الذهاب والإياب، جميعها على لسان "غريب"، الحلاق الذي يفتح أمامنا أبوابًا لعوالم موازية تفيض بالغرابة والرعب النفسي. القصص متنوعة، غير أن ما يجمعها هو جو القلق والتشويش والخوف، وتدور أحداثها ضمن إطار خيالي بعيد عن الواقع، بل أقرب إلى الخداع العقلي والتلاعب بالإدراك.
تُعد القصة التي دارت داخل السجن من أكثر الأجزاء قسوة ورهبة، وقد تركت أثرًا نفسيًا عميقًا يصعب تجاوزه. كما أن الحكايات المرتبطة بـ"فتحي" وزوجته "زينة" قدّمت تشابكًا غريبًا جعل القارئ يعيش حالة من الدهشة والتساؤل، خصوصًا مع تكرار الأحداث ذاتها بطريقة مثيرة وغامضة، وكأن الزمن يعيد نفسه أو أن لعنة ما تتكرر.
أبدع الكاتب في رسم تفاصيل المشاهد والانفعالات ووصف الأماكن بدقة لافتة، مما جعل القارئ يشعر وكأنه يعيش داخل الحدث، ويرى تعبيرات الوجوه أمامه. كما أن دمج الواقع بالخيال تمَّ بأسلوب يصعب معه أحيانًا التمييز بين الحقيقة والوهم، مما أضفى مزيدًا من التشويق والإثارة.
قد تكون الرواية مُرهقة نفسيًا وتحتاج إلى تركيز عالٍ، غير أنها تُعد تجربة أدبية مختلفة ومميزة لمحبي أدب الرعب النفسي. وعلى الرغم من وجود بعض الملاحظات، كغرابة أسماء بعض الشخصيات أو استخدام العامية، فإن العمل يظل قادرًا على إثارة الخوف والتوتر، ويدفع القارئ إلى التأمل في طبيعة العقل البشري.
وجدت صعوبة في تقييم الرواية، خاصة أن بعض تفاصيلها كانت مرعبة للغاية، كقصة السجن القاسي والظلم الذي تعرّضت له إحدى الشخصيات. هذه القصة، وإن كانت مستوحاة من الخيال، أثارت في داخلي رعبًا نفسيًا حقيقيًا، إذ يصعب تصديقها رغم ما تحمله من مسحة واقعية.
تميزت شخصية "غريب"، الحلاق، بسرد قصص متكررة تُشبه ما يحدث مع "فتحي" وزوجته، مما أضفى مزيدًا من الغموض والتشويق. وقد برع الكاتب في وصف الوجوه والأماكن والأحداث بدقة مدهشة، إلى جانب قدرته على دمج الواقع بالخيال، الأمر الذي زاد من صعوبة التمييز بينهما، وأثار شعورًا بالحيرة والخوف.
تتألف الرواية من سبع قصص مختلفة، لكل منها طابعها الخاص، وعلى الرغم من اختلافها، فإنها تُكوِّن نسيجًا واحدًا مترابطًا يُشبه الواقع إلى حدٍّ ما.
أنصح بقراءتها لمحبي الرعب النفسي، فهي من أكثر الروايات التي نجحت في إثارة الخوف في النفوس، رغم بعض الثغرات البسيطة. أما النهاية، فكانت صادمة إلى حدٍّ لا يُصدّق، وتجاوزت حدود الواقع.
أنصح بها لكل من يبحث عن رواية نفسية تخاطب العقل وتخدعه، وتأخذه في رحلة لا تُشبه سواها.