❞ كنت أفكر في مأساة انهيار سقف طموحاتنا كشعوب منكوبة، بحيث لم نعد نتمنى زوال الظلم عن أوطاننا، بل أصبحنا نتمنى أن يُترك لنا فقط الحق في التعبير عن رفض الظلم وإنكاره ❝
من صندوق دنيا بلال، لدنيانا نحن ابناء العمومة العربية، من شلالات تركيا وكندا وامريكا، لشلال هزيمتنا وانتكاستنا وانهيارتنا نحن ابناء مصر وضواحي المشرق. من مسارح بروداي إلى مسارحنا المهجورة المسكونة بما لا نعلمه في شوارع وسط البلد من رمسيس حتى عماد الدين إلى التحرير. وكم من مسرح وسينما أمر عليها الأن ليلاً أجدها خاوية فارغة مظلمة، معلنة بشكل لا يمكن إسكاته ابداً، أن الفن والمسرح والثقافة في بلادنا لا يسرون عدواً ولا حبيباً. فتجد نفسك تقول اقتباسا من كتاب صندوق الدنيا " جتنا نيلة في حظنا الهباب فعلا "
"❞ لست أتصور أنني يمكن أن أنهي الشر من الوجود، لكنني لا أريد أن أتعرض للإنهاء بمنتهى البساطة وأنا أسعى لإنهاء الشر من الوجود". ❝
بعد نشر وانتشار الكتاب على أبجد مؤخراً، أنهيت اخر أعمالي المفتوحة وذهبت إليه مهرولاً، وانا لا أعرف حتى عن ماذا يتحدث الكتاب ومصادفة لم ألحظ النصف الثاني من العنوان، ولكن بمتابعتي المستمرة لبلال فضل على قناته على اليوتيوب أعرف جيداً كيف يحب السينما والمسارح وأنه يخطط ويحلم دائماً بأن يكتب كتاب نقدي يحمل في جوفه مراجعات شتى ومنظور عربي مصري يشبهنا من الأخر على ما يدور في بلاد العام سام وخصوصا نيو يورك، وما يدور في الكيان الصهيوني الذي يبعد عننا بضع كيلومترات ومئات الأعوام من التقدم الفكري والكثير من التدني الإخلاقي وذلك مفارقة الإحتلال التي دوما ما تستعصي على الحل. ليصطحبنا بلالنا في رحلته، وبمعنى أصح ليشاركنا افكاره ووجدانه ونظرته الشاملة الموضوعية التي والله لولاها لكانت حياتنا أصعب. فنعم الصحبة كانت ونعم الأنُس
❞ كالعادة، لا زالت المأساة الفلسطينية تبحث عن فرصة لرواية قصتها الحقيقية، وهي فرصة تزداد صعوبة مع الوقت، ليس فقط لأن الحقيقة لن يفرضها في عالمنا إلا الطرف الأقوى، بل لأن المأساة الفلسطينية تحتاج إلى أن يعرفها أصلاً كثيرون من أبناء وطننا العربي الذين يعتقدون أن الفلسطينيين باعوا أرضهم لليهود ❝
❞ وأن يدعم بكل ما استطاع أن تكون لأصحاب الأرض الأصليين فرصتهم العادلة في رواية قصتهم للعالم، لأن بقاء الرواية الفلسطينية حاضرة حية نابضة، سيرتبط به حتماً في المستقبل وجود حل عادل للمأساة الفلسطينية ❝
سيحملك الكتاب ما بين المسارح كثيراً، وبين الأفلام والسينما أكثر واكثر، وقليلاً ما بين المتاحف، وبين كل ذلك وذاك سيحملك إلى "حظنا الهباب" ويوجعنا بمصيرنا وواقعنا التي كنت أظن قبيل ذلك الكتاب أن نحن نملك فن، ونملك سينما، ونملك قليلاً من الحرية، إلى أن ذهبت مع بلال إلى ما يحدث حولنا، أدركت كم كنت لا أدرك شيئاً من قبل!، وتعلمت أنني كنت لا أعلم إلا القليل. وأن العالم الغربي رغم بشاعته، رغم عدم انسانيته الواضحة في عامنا الأخير، رغم سلطته المسلطة علينا نحن أمة الضاد.
فهم لا يملكون نفس تلك البشاعة والسلطة المسلطة على أنفسهم، وأن أقل حلقة يقومون بها للسخرية من أحد المرشحين الرئاسيين على سبيل المثال، هو حلم مصري محال تحقيقه في ظل الحكم العسكري للسيسي وابنائه، وأن مصر في الأعوام الاخيرة مجرد الترشح الرئاسي أمام رئيس الجمهورية الخالد الأبدي القاهر فوق شعبه جريمة لا تغتفر ويحاسبك عليها القانون فورياً، وسيتم إقحامك في السجن بتهم تاريخها يمتد قبل تاريخ ولادة أبويك لمجرد وقوفك رافعاً الأعين والرأس أمام صاحب العرش المصري.!!
❞ ومع ذلك لا شك في أنه مرهق أن يشعر المرء بكل هذا القدر من الكراهية". ❝"
❞ لكن المأساة الحقيقية هي أن تعيش حياتك في سكون، دون أن تجرب المخاطرة يوما ما ❝"
على الرغم من إستمتاعي الكبير بصفحات الكتاب، وبنظرة سريعة على كتب بلال فضل الأربعة الأخيرة " أم ميمي - ماذا صنع الله بعزيزة بركات - فندق الرجال المنسيين - من صندوق الدنيا - أجد ذاك الكتاب أثقلهم حجماً وفكراً ولكن إلى أي مدى يعيش؟ ربما هي وجهة نظر غير مكتملة لقارئ ومحب لبلال فضل ولكن أنا أخشى عليه أن يترك إرثًد أدبي محدد بزمن، ما بين فندق الرجال المنسيين ومن صندوق الدنيا هل يستطيع القارئ بعد خمسين عام أن يقرأهم وسيعبرون عن واقعه حينها؟ لا أظن ذلك وأخشى أن يعيد بلال نفسه نفسه بطريقة ما في كتبه الأخيره، بل ربما يعيد نفس وجهة النظر أحيانا عن نفس الأشياء لكن في مواقف أخرى خصوصا بكل ما يخص برودواي وبعض تجارب نيويورك؟
❞ تذكرنا بأن جراح الماضي المؤلمة لا تندمل بسهولة، حتى وإن قطعت المجتمعات المتقدمة أشواطا كبيرة في علاجها والتعامل معها، فكيف الحال إذن بالمجتمعات التي تظن أن قفل الجراح قبل تطهيرها سيشفيها وينقذها؟ ❝
فمتى يعود بلال لشارعنا المصري؟ متى يعود ليترك لنا من الإرث ما نحمله لمئة عائم في جعبتنا ونحن مطمئنون بأن عطرها لن يزول ابداً. ولذلك أجد أن رواية أم ميمي هي أفضل اعمال بلال الأخيرة بلا شك بجانب ماذا صنع الله بعزيزة بركات، فربما هو وقت التغيير قليلاً. بالطبع لا أعلم ماذا يحمل الاستاذ بلال فضل في جعبته وماذا يخطط، ولكن ربما لا أريد أن يعيد بلال نفسه مراراً وتكراراً، وأن يطل علينا وجه بلال الأديب والروائي الساخر الذي وجدته في رواية أم ميمي، ولا أخفيكم سراً إني أحببت بلال الروائي والسيناريست أكثر بمراحل من بلال الصحفي الناقد وكم اشتاق لوجه بلال في بعض اعماله القديمة - ايام ما كان لسه في مصر - وسيظل عمل التغريبة البلالية أيقوني بكل ما تحمله الكلمه، ليمثل بلالنا الذي أشتاق إليه ادبياً. وذلك لا ينقص إطلاقا من المجهود المبذول في كتاب من صندوق الدنيا، بل تعتبر هي واحدة من أضخم اعماله في الأعوام الاخيرة ولكن ربما في كل مره أتوقع أن يطل علينا بلال بما هو جديد.
فنحن نعود إليه في كل مره ونذهب معه ويحملنا معه في كل بلاد العالم، فألا يعود هو إلى مصرنا في عمله القادم؟
"❞ فعموم الناس في أمريكا وغير أمريكا لن يعنيهم أبداً أن تتجسس الدولة على المنظمات المدنية والمؤسسات الأهلية، طالما أنها تدعي حمايتها للأمن القومي، لكنهم سيشعرون بالخطر حين يتعلق الأمر بأعضائهم الحميمة وخصوصياتهم التي يخشون عليها أكثر من خشيتهم على أي شيء آخر ❝
للغربة ثمن قاتم، للغربة ثمن باهظ، وفي العامين السابقين، يكفي أن تعيش بين بلاد أنت تعلم أن جميع متخذي القرار فيها أيديهم مخضبة بدماء ستين الف شهيد فلسطيني على الأقل، ولا يزال الرقم متصاعد، ولكن الثمن الأكبر أن تعيش بين رحابهم وأنت لا تملك حتى العودة لوطنك، لأن متخذي قرار وطنك يديهم مخضبة بما هو أسوء من دماء الشهداء، مخضبة بدماء ابنائها واعمارهم وارواحهم المتروكة حبيسة المعتقلات والسجون، وللغربة ثمن قاتم وباهت وغامق اللون.
ولا سيما إن كنت من مصر ومغترب طوعاً او كرهاً في الولايات المتحدة، فمصر لن تسرك ابدا وأنت تجد في امريكا ما يسرك مما تمنيت كثيراً أن يكون في بلادك، وأنت تعلم أن تلك البلاد التي ستحتضنك عمراً لن تتأخر ثانية واحدة أن تقذفك بالحريق لو كنت في أفغانستان أو غزة أو اي بقعة تهدد أمنها القومي.. أو تلفظك خارجها في غمضة عين
فلماذا كتبت علينا الغربة نحن أبناء العروبة مرتين؟ مرة في بلادنا، ومرة اقسى هروباً وفراراً من بلادنا؟ فلماذا نموت بداخلها وبخارجها ايضاً. فنحن ابناء العرب ألا نعرب من الحياة شيء غير الموت؟
❞ ولتكون الكتابة وسيلته الأمثل للتصالح مع حقيقة أنه حين غادر مسقط رأسه، اختار أن تكون الكتابة وطنه البديل وملاذه الأخير، وكفى بالكتابة وطناً وملاذاً.
"جتنا نيلة في حظنا الهباب"
تم 12/5/2025