حواديت محلية الصنع مجموعة قصصية
ل علاء أحمد
غلاف أخضر اللون في منتصفه كرسي خشبي قديم الطراز، لا يجلس عليه أحد، ربما يدعو القارئ أن يجلس عليه ليستمع إلى حواديت الكاتب، حول الكرسي رسومات صغيرة لدراجة، وغطاء حديدي لزجاجة سباتس، وعملة معدنية من فئة الخمسة قروش، وطابع بريدي عليه الأهرامات، ومكعب دومينو عليه الرقمين ٥:٥، وصورة لزهرة أو ورقات شجر لم أعرف مغزاها إلا من الكاتب وقال إنها ورقة نعناع ، وهي لها علاقة بتراثنا الشعبي، والنعناع كمشروب..
قليلون هم من أهدوا أعمالهم لأنفسهم، ولا أتذكر منهم سوى يوسف السباعي في رواية أرض النفاق، والعبد لله نهى عاصم وسألتها الناقدة إن كان هذا نوع من النرجسية؟ وأنا غلبان بصوت عادل إمام..
بالفعل شعرت لماذا يهدي الكاتب عمله هذا لنفسه بعدما قرأت المجموعة فهو يعترف أنه صاحب نفسٍ لوامة..
كما أنه يهدي حواديته الصادقة كما يقول لعمر وليلى أولاده..
في الغلاف من الخلف كتبت الكاتبة نورا ناجي عدة أسطر عن المجموعة موحية بشغف استعادتنا لدهشة طفولتنا..
مقدمة مدهشة للكاتب عن نفسه، يكشف لنا فيها ذاته وحقيقته، ويقول أن نقصان الإنسان في شخصه مكتمل..
تبدأ المجموعة بقصة بعنوان:
"عملات أبي" وفيها يحلم طفل الإبتدائية المتفوق ويقول:
❞ طوالَ الليل أُمنّي النفس، أتخيَّل لونها وشكلَها في حدود المسموح لي من التمنّي وليس الاختيار! ففي سوق المُستعمل نبحث عمّا يصلح لنا من بين قديمِ أمنيات الغير ليكون جديدَنا! ❝
ولكن سوق المستعمل يخذله فلا يستطيع والده أن يشتري له دراجة مستعملة فيردد:
❞ أقولُ في نفسي أنْ أكون الثاني على مستوى المدرسة والخامس على مستوى الإدارة التعليمية لا يكفي لأنْ أمتلك دراجةً مُستعملة، فضلًا عن رغبة أمّي وأبي في إسعادي، لماذا تكون النقودُ أغلى مما حقَّقته لماذا؟! ❝
ولكن الواقع يكون أغلى وأثمن من العملات الورقية ويحدث ما لم يكن في الحسبان..
وفي قصة السبسنة التي جعلتني أجلس على الكرسي بتوجس خائفة من وقوع البطل لأجد أن من وقع هو حازم الذي كان يسخر منه..
وفي القصص الغريب، وأن تكون كلبًا، وسكن، يشعر القارئ بوجع لا حد له وغضب على حال الضعيف والفقير..
ثم يصل بنا الكاتب للقصة صاحبة عنوان المجموعة حواديت محلية الصنع، وهي القصة المضحكة الباكية عن بكتيريا، وياله من اسم.. هل تخيلت يومًا أن تشتري الفلافل من عامل اسمه بكتيريا؟!
في قصة في قلبي خروف كان بها من خفة دم الكاتب الكثير، كنت سأحزن إن ذبح ولكن الذبح كان مصيرًا لغيره..
ثم نأتي لجنينة صابر وصابر الأول وترعة كان لابد وأن تسمى ترعة الشهداء بدلًا من المحمودية إذ مات عند حفرها اثنا عشَر ألفِ مصري..
ومثلما حفرت الترعة في قصة صابر الأول، ردمت الترعة في قصة صابر الثالث، وكانت النهاية موجعة فيهما معًا..
قصة جبر كما قصة أمل تبدأ جادة للغاية وتنتهي نهاية مباغتة..
قصة نظرة ذكرتني بأغنية فاتت جنبنا لعبد الحليم وفي القصة يقول علاء عن فتاته:
❞ عينُها واسعة، زاد من قطرِها ذلك السياج الأسود من الكحل حولَها، وجهُها بتفاصيله كأنه مرسومٌ بقلم شديدِ السواد على سطح لبن مصفَّى، ❝
ولكن ياللخسارة لم تنتهي القصة مثلما انتهت الأغنية..
في قصة الأجرة ضحك حد البكاء عن سائق المشروع الذي يعتبر ركابه جثثًا..
أما قصة الشيخ أحمد فهي قصة جميلة عن المقامات والموالد والحكايات التي نستمع إليها في عجب..
وفي القصة الأخيرة ابن باب الشعرية، اقرأ جملة شاعرية:
"❞ في هذه الليلة، كنت تحتَ مظلَّة بيت قديم أتحاشَى المطر، وأستمع إلى صوتِ ترحيب الأرض به وهو يُعانقها، ❝
يتناص الكاتب مع القرآن الكريم في عذدة مواضع مثل:
"لتنفجرَ الضحكات في هذا الموقف العسير، تتغشّانا ونحن على ثغورِ العتبة كما تغشاهم من قبْل أمنةً النعاسُ وهُم على ثغور الحرب."
"جميعُهم مسترخون على مقاعدهم القابلة للانبساط.
ونحن خُشُب مسنَّدة لا سبيل لنا غير ذلك"
"❞ ثلاثةٌ ورابعهم خوفُهم ❝
وفي النهاية أقول أن أحلام بطلة روايتي "هذا جناه الأدب على أحلام" والتي كانت تقوم بتعديل الروايات وفقًا لأهوائها، قد قامت بتغيير اسم العمل إلى حواديت إنسانية محلية الصنع، فالمجموعة حملت من المشاعر الإنسانية الكثير، وها هو علاء أحمد يثبت لي هذا بقوله في قصة سكن:
❞ مرَّت أيام وأيام. رُفع عن كاهلي فيها عبءُ الرجل وإن كان أمرُه في رأسي لا يَبرحني كعادتي دائمًا رأسي لا تتوقف طواحينُه، كل مهملٍ في الحياة له أهميةٌ في ردْهات عقلي كلّ كلمة ألقاها صاحبُها دون بال أحتفظُ له بها ❝
شكرًا علاء أحمد على هذه المجموعة الجميلة، وتمنياتي لك بمزيد من النجاح والإبداع..
#نو_ها